شفقنا-خاص- “السخرية والاستهجان” هما اصدق وصفين لما يجري في دهاليز الاتحاد الاوروبي ، الذي يتلمس هذه الايام وسائل ، مثل فرض المزيد من العقوبات على ايران ، لا لشيء الا ل”ارضاء” الرئيس الامريكي دونالد ترامب و”اقناعه” بعدم الخروج من الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1.
من حسن الحظ ، ان جميع الحكومات الاوروبية لا تتبع امريكا كالاعمى ، وتنفذ اوامرها دون الاخذ بالاعتبار كرامتها وكرامة شعوبها ، فهناك بين تلك الحكومات من وقفت في وجه “التبجح” الامريكي ، رفضت مسايرة ترامب وسياسته المتقلبة وغير المستقرة.
يوم امس الاثنين لم يتمكن الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على فرض عقوبات جديدة على إيران بسبب معارضة إيطاليا المدعومة من النمسا ، التي رات في فرض عقوبات على طهران على خلفية “برنامجها الصاروخي” و “دورها الإقليمي” ، لن تمنع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من التخلي عن الاتفاق النووي.
بعض الحكومات الاوروبية المؤيدة لفرض عقوبات جديدة على ايران ، وبينها حكومات فرنسا وبريطانيا وألمانيا ، تعتقد ان هذه العقوبات تعتبر صيغة من صيغ “اصلاح” الاتفاق النووي المبرم عام 2015 ، الذي طالب به ترامب ، وتأمل تلك الحكومات أن يسهم تحميل إيران المسؤولية عن هذه الأعمال في إقناع ترامب بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي.
لا يملك المرء الا ان يشعر بالاسى لما وصلت اليه العلاقة التي تربط الاتحاد الاوروبي بامريكا ، لاسيما بامريكا ترامب ، الرجل المتقلب والمتهور والنزق وغير المتزن والمحاصر بقضايا الفساد السياسي والمالي والاخلاقي ، والمشكوك في سلامته العقلية.
ترامب الذي طرد واقال معظم من كانوا يحيطون به في البيت الابيض خلال اقل من عام ، ترامب الذي اعترف اقرب مقربيه بفساده الاخلاقي والسياسي والمالي ، ترامب الذي تطارده المومسات والدعارات ، ترامب الذي تلاحقه الاسرار المخزية التي كشفت عنها مذكرات رفاق دربه ، الذين اكدوا ان روسيا تبتزه لانها تملك معلومات خطيره عن فساده المالي والسياسي والاخلاقي ، ترامب الذي داس على مجمل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وحتى تلك المتعلقة بمستقبل الارض كالمناخ ، ترامب الذي يفتخر علنا بعنصريته وكرهه للعرب والمسلمين والملونين، ترامب هذا يتحول الى “قائد” تحاول اوروبا كسب رضاه عبر ممارسات واساليب لا يمكن وصفها الا ب”الذليلة والمخزية”.
ادارة ترامب ، التي تعتبر نسخة باهتة من ترامب نفسه ، لا تدخر سعيا للسخرية والاستهزاء حتى باقرب التابعين لواشنطن ، ويمكن الاشارة الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ، على سبيل المثال لا الحصر ، فالرجل قال قبل يوم انه اقنع ترامب ان يبقى الجنود الامريكيون فترة اطول في سوريا ، ظنا منه انه اخذ وعدا من رجل مسؤول ، الا انه وسرعان ما داست الادارة الامريكية على تصريحات ماكرون بالاقدام ، فلم تمر سوى ساعات حتى ردت المتحدثة باسم البيت الابيض ساره ساندرز على ماكرون بالقول : ان “المهمة الاميركية لم تتغير وان الرئيس ترامب كان واضحا، إنه يريد ان تعود القوات الاميركية باقرب وقت ممكن الى الوطن ، ونتوقع ان يتحمل حلفاؤنا وشركاؤنا الاقليميون مسؤولية اكبر عسكريا وماليا من اجل تأمين المنطقة”.
هذه الصفعة التي وجهت الى ماكرون ، لم تكن مفاجئة ، فترامب وادارته تحولا الى لغز محير حتى لدى الامريكيين انفسهم الذين باتوا لا يعرفون بالضبط ما يريد ترامب ، فهو يغرد بشيء فجرا ، ويقول عكسه ظهرا ، ويتراجع عنهما ليلا ، لذا يستحق ماكرون وكذلك رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي انتقادات النواب في برلماني البلدين اثر مشاركتهما في العدوان على سوريا الى جانب امريكا ، دون اخذ ضوء اخضر من البرلمانيين.
النواب المحتجون كانوا على حق عندما اتهموا ماكرون وماي بانهما نفذا اوامر ترامب عندما شاركا في العدوان على سوريا ، ولم ياخذا بالاعتبار مصالح فرنسا وبريطانيا ، وانهما كذبا على شعبيهما عندما قالا ان ثمة تأييد دولي على نطاق واسع للعدوان الذي شاركا فيه ، فليس هناك من تاييد لهذا العدوان على الصعيد الدولي ، ناهيك عن الصعيدين الفرنسي والبريطاني.
ان الاتحاد الاوروبي سيخسر ايران ، وسيفقد ما تبقى له من مصداقية واحترام لدى شعوب العالم ، كما انه لن يكسب ترامب ، في حال واصل سياسة مسايرة رجل اهوج مثل ترامب ، فحكم التاريخ لن يرحم ، وستردد الاجيال ان اوروبا تنازلت عن كل قيمها ومبادئها وفرضت عقوبات غير مبررة وظالمة على ايران ، لا لشيء الا لارضاء نزوات رجل اخرق.
إنتهى