شفقنا- قال جانيس جريم في مقال له في صحيفة «واشنطن بوست»: «إنه قد أعيد انتخاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنسبة 97% من الأصوات الشهر الماضي في ما اعتبرت انتخابات مزورة. وقد انخفضت نسبة المصوتين عما كانت عليه قبل أربع سنوات؛ لتصل إلى 41%، وهو ما كشف حجم التأييد الشعبي المنخفض للسياسات القومية التي يتبعها السيسي، والذي ركزت حملته على قدرته على حماية الأمن والاستقرار.
لطالما وظفت أنظمة الحكم في مصر القومية كأداة من أجل صرف نظر الشعب عن الإصلاح السياسي لصالح دعم دولة قوية. فمن خلال استخدام الخطاب القومي – يؤكد جريم – يزعم البعض أن السيسي ضمن الدعم الشعبي ورسخ شرعيته. ومع ذلك، يؤكد جريم أن احتجاجات المعارضة وبناء التحالفات في مصر يدل على أن الاعتماد على الخطاب القومي هو سيف ذو حدين. فكما أظهرت الاحتجاجات التي تلت تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية في أبريل (نيسان) من عام 2016، فإن القومية قد لا تدعم هيمنة السلطة فحسب، بل قد تلهم أيضًا مقاومة قوية لمثل هذه المشاريع.
وقد كانت هذه أكبر احتجاجات تشهدها مصر منذ الانقلاب العسكري في عام 2013، وشارك فيها كافة أطياف الشعب المصري. فعلى غرار ثورة 2011، تشكلت حركة «مصر ليست للبيع» من الإسلاميين والليبراليين واليساريين، وحتى الشباب القومي الذين كانوا قد سبق لهم أن أيدوا نظام الحكم.
ويشير جريم أن العديد من هذه الجماعات كان على خصام من قبل، ولكنهم نزلوا معًا إلى الشارع للتنديد بالتنازل عن الأراضي المصرية والدفاع عن سيادة الشعب على وطنه. وقد تشابه خطابهم مع اللغة التي رفعتها ثورات الربيع العربي، وشاركت فيها حركات قومية، مثل «تمرد»، وجماعات إسلامية معتدلة، مثل حزب «مصر القوية»، وحركات ثورية، مثل «6 أبريل» و«الاشتراكيين الثوريين».
لم يكتفِ المحتجون بالمطالبة بوقف تنفيذ اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، بل رفعوا شعارات تنادي بإطلاق سراح السجناء السياسيين، وإلغاء قانون التظاهر وإقالة المسؤولين الحكوميين. وقد أكد حزب مصر القوية أن هدف الحملة تجاوز قضية الجزيرتين، موضحًا أنه ما زال يتركز حول «العدالة، والحرية، والديمقراطية، وحكم الشعب، وحياد المؤسسات العسكرية، وقوات الأمن»، بينما رأت حركة 6 أبريل أن ما يحدث استكمال لانتفاضة 2011.
وقد تبين لاحقًا أن هذا احتمال وارد – يشدد جريم – فعلى الرغم من نجاح القمع في ردع مظاهرات الشارع وتوريط قادة المعارضة في دعاوى قضائية، إلا أنه سرعان ما اندلعت احتجاجات فئوية، كان أولها عند نقابة الصحافيين، ثم انتشرت بعد ذلك إلى نقابة المحامين والأطباء وقطاع التعليم.
القومية كسيف ذي حدين في الفترة الرئاسية الثانية للسيسي
يرى المحللون أن أكبر تحد يواجه السيسي خلال فترة ولايته الثانية هو المنافسة القوية من قبل الجيش والخلافات بين النخبة الحاكمة.
ويؤكد كثيرون أن الحال قد عاد إلى ما كان عليه قبل 2011، حيث لا توجد فرصة للمظاهرات الجماهيرية بسبب القمع الشديد وغلق الأماكن العامة.
لكن الاحتجاجات على اتفاقية تيران وصنافير تظهر أن حكم السيسي ليس معرضًا فقط لخطر الانتفاضات الجماهيرية الواسعة – يؤكد جريم، فكما أوضح الباحثون في أعقاب انتفاضات عام 2011، فإن هناك قوة كبيرة في «ظهور عوار الصورة التي حاول الحكام تقديمها كدليل على سلطتهم». فقد ثبت زيف مزاعم القوميين في النخبة الحاكمة في أزمة الجزيرتين. وقد أساءت السلطات المصرية بشدة تقدير مدى تمسك الشعب المصري بأرضه، والذي تعزز من خلال المعارك ضد الاستعمار والمعارك العسكرية والدبلوماسية على سيناء مع إسرائيل.
تنتظر السيسي مع بداية مدة رئاسته الثانية العديد من القضايا الحساسة التي ستضع مصداقية شعاراته القومية محل اختبار عسير – يكشف جريم. ففي هذا العام ستقوم إثيوبيا بتشغيل سد النهضة؛ مما سيؤثر بشدة على إمدادات المياه التي تعتمد عليها مصر. ورغم أن السيسي قد حذر من أن أي تقليص في إمدادات المياه المصرية سيعامل على أنه تهديد مباشر لأمنها القومي، إلا أنه لم يحرز تقدمًا يذكر في ردع المشروع.
وفي الوقت نفسه، يواجه السيسي مأزقًا في حربه على الإرهاب في سيناء؛ إذ ثمة حاجة إلى التعاون الأمني مع إسرائيل، وهو ما يتعارض مع المشاعر القوية المعادية لتل أبيب لدى الجمهور المصري. وقد تفاقم هذا المأزق من خلال مطالبة أمريكا مصر بلعب دور أقوى في المفاوضات العربية الإسرائيلية والشائعات المنتشرة حول «صفقة القرن» لتسوية النزاع من خلال إقامة دولة فلسطينية في سيناء.
وأخيرًا، سيتجدد الجدل حول اتفاقية تيران وصنافير مع اعتزام السعودية إنشاء مدينة «نيوم» الاقتصادية بقيمة 500 مليار دولار على ساحل البحر الأحمر. ستضم المدينة أراضٍ من الأردن ومصر – بما في ذلك جزيرتي تيران وصنافير التي تم التنازل عنهما مؤخرًا. ويرى جريم أنه من غير المرجح أن يسيطر السيسي على جميع هذه القضايا الرمزية. وإذا فشل في الوفاء بوعده بحماية مصالح الأمة مرة أخرى، فإن القومية قد توحد مرة أخرى المعارضة، وتوجه المصريين إلى الشوارع للاحتجاج ضد النظام.
مترجم عنTwo years ago nationalism sparked massive protests in Egypt. Could it happen again?للكاتب Jannis Grimm
النهایة