.
خاص شفقنا– “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَة” “الروم21”.
بعدما كانت الرابط المقدس والسكن الذي لا يخلو من المودة والرحمة بين الذكر والأنثى، اصبحت المؤسسة الزوجية مهددة بالسقوط، وبعد ان كان الطلاق من اصعب القرارات داخل المجتمعات صار امرا سهلا بين الزوجين بل واصبح مألوفا بعدما كانت الفتاة – على وجه الخصوص– تتشبث بالعادات والتقاليد ونظرة المجتمع لها وخوفها من نعتها بـ”المطلقة”، وقد انتشرت ظاهرة الطلاق في الآونة الأخيرة داخل المجتمعات العربية عموما والاسلامية خصوصا، لتكون اسباب وقوعه في كثير من الاحيان متسرعة بعدما كانت تستنزف في السابق كل المحاولات لاصلاح ذات البين.
الحديث عن الطلاق تجاوز اروقة المحاكم ليصبح مادة دسمة لوسائل الاعلام ومواقع التواصل الإجتماعي الأمر الذي انعكس على الشارع لتصبح القضية حديثه حيث كثرت الاجتهادات والنظريات المختلفة حول اسبابه وتداعياته.
في مصر أثارت الأزمة جدلا بين رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي الذي دعا الى الغاء الطلاق الشفوي “لكبح ظاهرة ارتفاع معدلاته”، وبين الأزهر الذي عارض دعوة الرئيس المصري، واشار الى” دراسة العديد من القضايا المتعلقة بالطلاق للحد منه”.
وفي الاردن حذرت دائرة الإفتاء العام من حملة أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “طلق مرتك” معتبرة “ان الحملة هي استهتارا واستهزاء بالأسرة والمرأة، وهذا أمر مخالف لمقاصد الإسلام التي جاءت بصيانة الأسرة وحمايتها عن كل عبث وطيش”.
أما في الكويت ومعظم دول الخليج بات الطلاق من أكثر المشاكل الاجتماعية انتشارا ما دفع هذه الدول للبحث عن اسبابه بعدما اصبح يهدد هذه المجتمعات.
في العراق القضية استدعت تدخلا من المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف التي حذرت من اتساع هذه الظاهرة، داعية الجهات القضائية، إلى العمل على محاولة إصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر بين الازواج وعدم التسرع في البت بالطلاق وجعله “آخر الحلول وأصعبها”.
أما على صعيد لبنان، نسبة مقلقة اشارت اليها نتائج الاحصاءات التي اجراها “مركز امان للسلوك الإرشادي والأسري” من عينات المحاكم، حصلت “شفقنا” على نسخة منها، حيث شكل مجموع حالات الطلاق عند الشيعة في السنوات الاخيرة على ما نسبته 50% من المجموع العام لعدد حالات الطلاق على صعيد لبنان، وخلصت الى ان نسبة الطلاق للزواج مرتفعة عموما عند الشيعة اذا ما قيست بالنسبة العامة للطلاق مقابل الزواج على صعيد لبنان.
الاحصاءات لم تبين ارتفاع في نسبة الطلاق فحسب، انما بينت ارتفاعا في دوافع الطلاق وهذا ما ينذر بتغير النسبة في القريب العاجل، والمطلع العام على هذه النسب في العالم العربي يرى ان هناك تزايد واضح واصبح دافع الطلاق سهلا.
5599ab6f2218c
القاضي مكي: دعوة لقضاة الشرع الى عدم الإستعجال
زيادة حالات الطلاق ليست حكرا على لبنان، فالظاهرة بدأت تتوسع في الغرب بشكل سريع ثم انتقلت الى العالم العربي، يتأسف مدير مكتب القضاء الشرعي في المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى المفتي السيد علي مكي من توسع هذه الظاهرة، مؤكدا أن لبنان تأثر بهذا الواقع في العالمين العربي والغربي، معدداً من خلال معايشته لهذا الواقع 12 سبباً لإرتفاع حالات الطلاق في لبنان: الفقر، العنف، الجنس، التواصل السهل للمرأة، العلاقات السهلة أمام الرجل، أطروحات التحرر والجمعيات التي تدعو الى ذلك، ارتباط الزوجة بذويها وارتباط الزوج بذويه، إختلاف الطبيعة بين الزوجين، الإرتباط السريع، تغير النظرة إلى الطلاق، إنتقال المرأة إلى سوق العمل، أما السبب الأخير فيتعلق بالفتاة أو المرأة، حيث أنه عندما يأتي لها الوليد، لا سيما اذا كان الأب شرساً نسبياً، ترى فيه بديلا عنه، بينما الوالد لا يقبل بذلك، وهذا الاستبدال يعرّضها للتعاطي السلبي مع الزوج في الفراش وغيره مما يؤدي إلى مشكلة عند الزوج ومن ثمّ الطلاق.
وشدد المفتي مكي على أن هذا الموضوع يحتاج الى معالجة من خلال بث اعلامي مكثف لقدسية الزواج واعادة تنظيم معنى الحرية للمرأة وللرجل، داعياً القضاة والمفتين ورجال الدين إلى عدم الإستعجال في اتخاذ قرارات الطلاق.
28-06-2014_Internet_Dangerous-1
فاطمة نصرالله: تحول المرأة الى انسان منتج سبب رئيسي للطلاق
من جهة اخرى، نرى ان النظرة العصرية اثبتت للمرأة أنها تستطيع ان تحقق مكانتها وان تثبت نفسها ووجودها وكيانها، واذا كان الزوج يستحق معنى ان يكون زوجا بالمعنى الحياتي فلتتخذه، هذا المفهوم هوّن فكرة الطلاق لدى المجتمعات، وتختصر المرشدة الاجتماعية في الارشاد التربوي والأسري فاطمة نصرالله في حديث خاص لـ”شفقنا”، السبب الأساسي والجوهري لهذه الحالة هو ان المرأة في السنوات الأخيرة تحوّلت الى انسان منتج، ما يعزز في نفسها ان لا تكون تحت إمرة انسان آخر بالمعنى الإنفاقي.
نصر الله أكدت على دور الإرشاد الاسري في هذا النطاق، وهي تحضير الشاب والفتاة الى مرحلة الزواج متأسفة من دخولهما الى حياة زوجية مليئة بالهفوات وتفتقر الى المعنى الحياتي التطبيقي، مشيرة الى وجود هذه المراكز لكن عملها خجول مقابل الحاجة الحقيقية عازية السبب الاساسي الى الرضوخ للعادات والتقاليد.
والى جانب الأهل، أي الاسرة النواة، حمّلت نصرالله المسؤولية للفرد اولا ومسؤوليته تجاه نفسه والآخرين، وللدولة المقصرة في هذا الجانب اضافة الى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التي –وللأسف– تسوّق مفهوم العلاقات الحرة اللطيفة والمحببة التي تقع خارج اطار الزواج ، اضافة الى الوعي العام المتعلق بالتفكير الجمعي للناس الذي لم يرتقِ بعد الى ان يولي تأسيس البيت الزوجي الأهمية الكبرى.
في الخلاصة، نرى ان الاسرة مهددة بالانهيار، ومرشحة للتدهور بشكل كبير اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، ما يستدعي وقفة لمراكز الارشاد الاسري ووسائل الاعلام، اضافة الى دور رجال الدين والقضاة في العمل على انشاء خطاب ديني توعوي يضع حدا لهذه الظاهرة التي باتت تهدد مجتمعاتنا الاسلامية بشكل خاص وهذا ما ينافي ما دعا اليه الاسلام في المحافظة على مؤسسة الزاوج المقدس.
ملاك المغربي