شفقنا-خاص- منذ وصول الاستعمار الغربي الى البلدان العربية والاسلامية وحتى اليوم ، لم تتعرض هذه البلدان لخطر اشد فداحة من خطر التكفيريين الذين شطروا المجتمعات العربية والاسلامية افقيا وعموديا ، وتعرضت بعض هذه البلدان الى مخاطر الاختفاء من الخارطة السياسية ، وهي مخاطر لم تواجهها هذه البلدان حتى في احلك عهود الاستعمار.
المستعمر كان معروفا لشعوب البلدان العربية والاسلامية وبلدان العالم الاخرى ، ولم يكن هناك اي اختلاف بين ابناء هذه الشعوب في ضرورة التصدي لهذا المستعمر الطامع بارض وخيرات العرب والمسلمين ، وهذه الحقيقة هي التي اجبرت المستعمر في النهاية الى ترك هذه البلدان رغم قوة المستعمر العسكرية وامكانياته المادية والسياسية الضخمة.
التكفيريون اليوم ، هم للاسف من ابناء هذه الشعوب ، ويرفعون لواء الدفاع عن الاسلام ، ويرددون دائما شعارات اسلامية يتلاعبون بها بمشاعر الاخرين ، ويعيشون بين ظهراني الناس بكل حرية ، فهناك من يتعاطف معهم ، وهناك من يحتضنهم ، لذلك ليس من السهل فصلهم عن المواطنين ، كما تم فصل المستعمرين وعملائهم من قبل.
قوة التكفيريين تكمن في تعاطف البسطاء والسذج معهم ، بسبب ظاهرهم “الاسلامي” والشعارات البراقة التي يرفعونها ، فتراهم يختفون بسهوله في حواضنهم ، وعادة ما تجد الحكومات العربية والاسلامية صعوبة في اجتثاث التكفيريين ، الامر الذي يفسر تمكنهم من تنفيذ جرائمهم بحق ابناء وطنهم وبشكل في غاية القسوة والوحشية.
اليوم لم يعد هناك بين العقلاء من يشكك ولو للحظة واحدة من ان الكوارث التي تنزلها الجماعات التكفيرية بالمجتمعات العربية والاسلامية ، تصب بالكامل في مصلحة جهة واحدة وهذه الجهة ليست سوى “اسرائيل” ، فلا يوجد مسلم صحيح الاسلام يفتي بقتل وسبي ابناء وطنه بمجرد انهم من اتباع ديانة اخرى او مذهب اخر ، كما لا يوجد مسلم يمكن ان يفتي بقتل اخيه المسلم لمجرد انه يختلف معه في بعض القضايا التاريخية او الدينية ، كما لا يوجد مواطن صادق بوطنيته يعتبر استهداف الجنود من ابناء وطنه ، ومؤسسات الدولة السياسية والخدمية والتربوية والاقتصادية والعلمية ، امرا مشروعا ويتقرب به الى الله.
قتل وسبي ابناء الوطن الواحد ، واستهداف الجيش الوطني ، وتفجير مؤسسات الدول بهذه الطريقة التي يستخدمها التكفيريون اليوم ، كانت تُخرج منفذها لا من الوطنية والاسلام فحسب بل من الانسانية بالامس ، فقد تحولت هذه الفظائع الى “جهاد مقدس” في ظل انتشار فيروس التكفير ، فالمستعمر البريطاني والفرنسي والايطالي والغربي بشكل عام ، لم ينل من عناصر قوة الشعوب العربية والاسلامية كما نال التكفيريون اليوم ، فالقاتل والمقتول ، والذابح والمذبوح هم مسلمون ، ومشهد اللامعقول هذا ما كان ليتحول الى واقع لولا فيروس التكفير الذي نخر عقول وقلوب بعض الشباب الساذج والبسيط والامي ، وحولهم الى معاول بيد اعداء الاسلام لخراب ودمار البلدان العربية والاسلامية.
بعد ان هدمت معاول التكفير العراق وسوريا وليبيا والصومال ، جاء اليوم دور مصر ، التي اصبحت هدفا للجماعات التكفيرية التي تمكنت من ان تجد لها موطأ قدم في بعض زوايا المجتمع المصري ، المعروف باعتداله الاسلامي ، وهو الاعتدال الذي كان لعلماء الازهر الشريف فضلا في ديمومته واستمراره ، فقد بدأ التكفيريون باستهداف الجنود المصريين تحت شعار “محاربة الطاغوت” ، واستهداف من يخالفهم العقيدة تحت شعار “الردة” ، واستهداف المصريين المسيحيين تحت شعار “الكفر”، واستهداف مؤسسات الدولة بشتى صنوفها تحت شعار “اضعاف” الحكومة ، بينما الهدف الاول والاخير من كل هذه الاستهدافات هو تكرار سيناريو العراق وسوريا وليبيا في مصر ، في خدمة علنية للصهيونية العالمية.
يبدو ان استهداف مصر تحول الى اولوية لدى التكفيريين بعد هزائمهم في العراق وسوريا ، فهذه “داعش” تتوعد بشن مزيد من الهجمات ضد المسيحيين في مصر، محذرة المسلمين من ارتياد أماكن تجمعات المسيحيين والأجانب أو المرافق الحكومية.
وفي مقابلة نشرتها صحيفة “النبأ” الالكترونية الأسبوعية التابعة ل”داعش” على تليجرام يوم الجمعة 5 ايار / مايو ، مع من وصفته بأنه أمير جنود الخلافة في مصر ، دون أن تذكر اسمه، قال “نحذركم ونشدد عليكم بأن تبتعدوا عن أماكن تجمعات ومصالح النصارى وكذلك أماكن تجمعات الجيش والشرطة وأماكن مصالح الحكومة السياسية منها والاقتصادية وأماكن وجود رعايا دول الغرب الصليبية وانتشارهم ونحوها.. فكل هذه أهداف مشروعة لنا ويسعنا ضربها في أي وقت”.
من الواضح ان هذا التحذير يكشف الهدف الحقيقي من وراء صناعة “داعش” من قبل القوى المعادية للاسلام ، فالجهة التي تقتل ابناء الوطن الواحد على خلفيات دينية وطائفية ، وتهدد بقتل جنود الجيش الوطني ، وتستهدف المؤسسات الحكومية التي تعمل لصالح المواطنين ، مثل هذه الجهة هي جهة عميلة للاعداء وخائنة للوطن مهما كانت الشعارات التي ترفعها او التبريرات التي تقدمها ، فلا نتيجة من وراء جرائم “داعش” سوى دفع البلاد الى المجهول ، وتحويل الشعب المصري الى ضحية لصراع دموي لا ينتهي ، كما هو حال سوريا وليبيا والعراق واليمن ، فهذه الدول استهدفت من اجل اضعاف جيوشها وانهاكها ، للوصول الى تحقيق شرق اوسط جديد تهيمن عليه “اسرائيل”.
ان على الازهر الشريف والنخب العلمية والمثقفين والفنانين والادباء والشعراء في مصر ، الا يمروا من امام تهديدات “داعش” مرور الكرام ، فمواجهة التكفيريين لا ينحصر بالقوة العسكرية ، ولابد من التصدي لحواضن ومروجي الفكر التكفيري في مصر بقوة الفكر ، بعد ان صالوا وجالوا في مصر منذ اكثر من 4 عقود دون رقيب او حسيب ، حتى وصل الامر بأن اصبحوا يهددون مصر كوجود ، فهذه مسؤولية اسلامية وانسانية قبل ان تكون مسؤولية مصرية ، فمصر لها دور ريادي واستثنائي ، لما لها من دور كبير في قيادة البلدان العربية ، فأي انتكاسة امنية لمصر تعني انتكاسة لجميع البلدان العربية ، وصمود مصر امام التكفيريين واجتثاث سمومهم من الجسد المصري ، يعني اعطاء جرعة قوية لجميع الدول العربية وحتى الاسلامية لتعزيز قوتها امام فيروس التكفير ، للوصول الى القضاء عليه نهائيا في لجسدين العربي والاسلامي.
إنتهى