شفقنا – مقال نشرت فی جریدة القدس العربی امس و نقراها معا ؛
في كتابها «التحرر من الخوف» تقول أونغ سان سوتشي، «مستشارة الدولة» ووزيرة خارجية ميانمار: «ليست السلطة هي التي تفسد ولكن الخوف. الخوف من خسارة السلطة يفسد أولئك الذين يمارسونها والخوف من عقوبات السلطة يفسد أولئك الذين يعانون منها»، كما تقول: «البشر في العالم أجمع يحتاجون للحرية والأمن كي يستطيعوا فهم خياراتهم الكاملة».
أما ما الذي حصل منذ تاريخ نشرها عام 1991 هذه الأقوال البليغة حول الفساد والسلطة والحرية والخوف، وبعد استلامها، هي شخصيا، السلطة في 6 نيسان/إبريل 2016، وما تبع ذلك من إجرام متدرّج وحشيّ ضد أقلية في بلادها وصولاً إلى الذروة الكارثية الحالية، فيحتاج تأملا عميقاً في مآلات سياسية كانت تعتبر أيقونة للنضال الديمقراطي في بلادها والعالم ما جعلها تفوز بجائزة نوبل للسلام، لكنها انتهت مسؤولة عن عملية إبادة وتهجير جماعي لمئات آلاف المسلمين الروهينجا.
وفي الوقت الذي تصاعدت فيه الدعوات العالمية مطالبة سان سوتشي بفعل شيء لوقف المجازر، أو اتخاذ موقف يتناسب مع تاريخ «نضالها» الطويل ودفاعها عن حقوق البشر، اكتفت سوتشي، على صفحتها في «فيسبوك» بلوم «الإرهابيين» على «جبل الجليد الهائل من التضليل»، وعلى إنكارها، في مقابلة مع «بي بي سي»، أن ما يحصل في ميانمار «تطهير عرقي».
والحقيقة المذهلة أن كلمات سوتشي نفسها في كتابها المذكور تمثل مفارقة تكشف حجم العار الذي تتوشّح به، فسلطات ميانمار، وقواتها العسكرية، وحزب سوتشي الذي يحمل الاسم المعبّر «الرابطة القومية للديمقراطية»، والميليشيات البوذية، تتشارك عمليّاً مسؤولية سياسة إرهاب الدولة وتخويف الأغلبية البوذية لأقلّية حرمت منذ عشرات السنين من الجنسية، وتقرر الآن، بعد «انتصار الديمقراطية» المزعوم أن يتم التخلص منها كليا، وبناء على كلمات سان سوتشي فمن الواضح أن الروهينجا لا يعتبرون بشراً يحتاجون للحرية والأمن، وأن الحرية يجب أن تقتصر على أبناء قوميتها البورمية ودين أغلبيتها.
في هذا الأسبوع الذي تكثّفت فيه عمليات الإبادة والتهجير لروهينجا بورما (ميانمار) تمكنت سياسية أخرى تدعى حليمة بنت يعقوب، وهي أيضاً من أقلية مسلمة في سنغافورة (المالايو) من الوصول إلى مركز رمزيّ كبير للسلطة في بلادها بكونها أول امرأة تنتخب رئيسة في سنغافورة.
وبذلك لم يدفع دين حليمة، أو حجابها، ولا كونها من أقلّية قومية ـ دينية صغيرة تعادل 14٪ من عدد سكان سنغافورة، جموع المتعصبين من قوميّات وأديان أخرى لمحاولة قتلها وتهجيرها، بل ساهم الانفتاح السياسي والاجتماعي على رفعها إلى منصبها الرفيع هذا، في إعلان جدير بالاحترام عن قدرة ذلك البلد الصغير المتفوّق والثريّ على احتضان أقلّياته، واحترام دينها، وجنسها، وتقديم درس في تكسير القوالب السياسية العنصرية الرائجة بشكل جنوني حاليّاً ضد المسلمين، تحت أطر الإسلاموفوبيا وشعارات «مكافحة الإرهاب»، الذي أصبح ميّزة جينية تصطفي المسلمين وحدهم من أديان وأعراق البشرية.
وبقدر ما يثير نموذج سوتشي، وتماهيها مع تيارات العنصرية والتعصّب وإرهاب الدولة بعد أن باعت العالم لعقود طويلة أكذوبة كونها منافحة عن حقوق الإنسان، الألم والانزعاج ويرفع معدلات الحقد بين الأعراق والأديان، بقدر ما يفرح أن نرى نموذج سنغافورة الحضاري في اختيارها حليمة بنت يعقوب، التي تجمع بين الإسلام، وقوميتي الملايو والهند، ومتزوجة من يمني عربيّ، إلى كونها سياسية قادرة على تمثيل بلادها بتاريخها السياسي المشرف.
النهایة