شفقنا-خاص- مجموعة تضم 15 مسلحا كانوا يستقلون سيارتين ترجلوا امام مسجد الروضة بمنطقة بئر العبد غربي مدينة العريش في سيناء ، حيث كانت تقام صلاة الجمعة ، واقتحموا المسجد وألقوا بالعبوات الناسفة بين المصلين ، وأطلقوا النيران عليهم بشكل مباشر، ولم يكتفوا بذلك، بل طاردوا الفارين من المذبحة، ثم أشعلوا النار فى السيارات المتواجدة حول المسجد ، فكانت حصيلة “غزوتهم” 235 شهيدا واكثر من 100جريح.
هذه المجزرة المروعة لم تكن الاولى التي ينفذها التكفيريون في مصر بحق ابناء الشعب المصري ، ففي تموز / يوليو من هذا العام قتل التكفيريون 23 جنديا مصريا عندما هاجموا نقطتي تفتيش عسكريتين في سيناء.
وفي خارج سيناء نفذ التكفيريون العديد من الهجمات ضد المواطنين الابرياء كانت اخرها في ايار / مايو من هذا العام ، عندما قتلوا 29 مواطنا مسيحيا وأصابوا 24 آخرين بجروح في هجوم مسلح على ثلاث مركبات تقل أقباطا في محافظة المنيا بجنوب مصر.
الحكومة المصرية اعلنت امس الحداد ثلاثة أيام ، على ضحايا الهجوم على مسجد الروضة ، الذي يعتبر احد اكثر الهجمات دموية في مصر منذ عام 2014 عندما بايعت جماعية تكفيرية في سيناء تنظيم “داعش” الارهابي.
الطريقة التي نفذ بها التكفيريون جريمة مسجد الروضة ، واستهدافهم بدم بارد دون شفقة او رحمة ، المصلين في بيت من بيوت الله ، اكدت امرا لم يعد ملتبسا على احد ، وهو ان هناك ارادة مصممة على دفع مصر نحو الفوضى ، كما تم من قبل دفع بلدان اخرى الى اتون الفوضى، عبر استخدام الجماعات التكفيرية المدعومة من جهات اقليمية ودولية باتت عناوينها مكشوفة.
عندما تستهدف جهة ما الجيش والشرطة ومكونات المجتمع الدينية والمذهبية ودور العبادة لبلد ما ، فان هذه الجهة تستهدف بالاساس امن واستقرار هذا البلد ، وكل ما يقال عن “محاربة الطواغيت” و”المشركين” و “الكفار” و “الخونة” ما هو الا ذرا للرماد في العيون.
مثل هذا الرماد ذُرّفي عيون العرب والمسلمين عندما ارادت الارادة التي تقف وراء “داعش” والقاعدة والجماعات التكفيرية الاخرى ، تدمير سوريا والعراق وليبيا واليمن و..، عبر استخدام الفتاوى التكفيرية والتحريض ضد المسلمين الشيعة والعلويين والزيديين والمتصوفة والمسلمين السنة الرافضين للعقيدة التكفيرية واتباع الديانات الاخرى مثل المسيحيين والصابئة والايزديين و.. ، بذرائع “الشرك” و”الارتداد” و”الكفر” و”الخيانة” ، بينما الهدف الحقيقي كان الجيوش والشرطة واستقرار وامن هذه البلدان.
كان من المستحيل تصور ان تحدث مثل مجزرة مسجد الروضة وغيرها من المجازر الاخرى في بلد كمصر حتى في مخيلة اكثر الناس تشاؤما ، لسبب بسيط وهو ان الشعب المصري من اكثر الشعوب العربية والاسلامية تسامحا وانفتاحا على الاخر ، مهما كانت ديانة او عقيدة هذا الاخر ، فالمصريون بطبيعتهم يميلون للاعتدال والوسطية ، وهذه الطبيعة انعكست على نهج ومواقف الازهر الشريف ، الا انه ومنذ سبيعينات القرن المنصرم عندما دشن الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك سياسة الانفتاح والتقرب من “اسرائيل” انفتحت ابواب مصر على مصرعيها امام العقيدة الوهابية التكفيرية التي غزت مصر على اجنحة دولارات النفط تحت شعار السلفية ، فغسلت ادمغة السذج من الشباب المصري ، وتحول هؤلاء الشباب بمرور الوقت الى خلايا سرطانية افرزت كل ما عرف فيما بعد بالجماعات والتنظيمات التكفيرية السلفية.
نظرا للروح المصرية المتسامحة والمنفتحة لم يتم التعامل مع التنظيمات السلفية التكفيرية ، كخطر يهدد العقيدة الاسلامية الوسطية في مصر ، فتُركت الساحة امام هذه التنظيمات لتصول فيها وتجول مدعومة بالدولار النفطي ، ولم يتم اخذ التحذيرات التي اطلقها عدد كبير من علماء ومفكري ومثقفي مصر ، من خطر السلفية على مصر على محمل الجد ، حتى وصلنا اليوم الى الحد الذي لم تجد السلطات المصرية من وسيلة الا الطائرات والدبابات للتعامل مع من يحملون العقيدة التكفيرية ، في الوقت الذي كان بالامكان ، قبل ثلاثة عقود ، اجتثاث هذه الغدة الخبيثة من الجسد المصري بالقلم والبيان فقط.
كلنا يتذكر كيف كانت ، ومازالت ، المنابر والابواق الاعلامية السلفية الممولة بدولارات النفط في مصر ، تشوه ما يجري في سوريا والعراق من احداث وتطورات ، فقد كانت تصف الجيش العراقي بانه “ميليشا شيعية” والجيش السوري “شبيحة الاسد وميليشا علوية” ، يستهدفون ابناء السنة في العراق وسوريا ، حتى وقع العديد من الشخصيات المصرية المحترمة في فخ هذا الاعلام ، عندما وصفوا الحشد الشعبي العراقي بابشع الصفات الطائفية ، بينما “الجريمة” التي ارتكبها الحشد الشعبي والجيشان العراقي والسوري ، من وجهة نظر الجماعات السلفية في مصر ، كانت محاربتهم للتكفيريين من “الدواعش” ومن على شاكلتهم ، اي انهم كانوا يقاتلون رفاق درب وعقيدة من يقتل المصريين في سيناء وغيرها.
لسنا هنا في وارد اسداء النصح للمصريين ، فهم ادرى من الجميع بخطر العقيدة التكفيرية التي غزت مصر واستوطنتها منذ اكثر من 30 عاما ، ومجزرة مسجد الروضة رغم بشاعتها فلن تضيف شيئا الى معرفتهم بخطر هذه العقيدة ، الا اننا قلنا ما قلناه الا من باب الحرص على العرب والمسلمين ، فاذا ، لاسمح الله ، نجحت الجماعات التكفيرية في تكرار السيناريو الليبي او السوري او العراقي او اليمني في مصر ، فان العالم العربي والاسلامي سيواجه نكسة لا يعرف تداعياتها الا الله ، لما لمصر من مكانة متميزة ومرموقة وبين البلدان العربية والاسلامية.
إنتهى