شفقنا-مقال وارد- لقد فتحت أبواب الحوزة العلمية على العالم خلال السنوات الاخيرة وفي اعقاب انهيار النظام الاستبدادي. وهذا الإنفتاح مهد للحوزة لتتعامل دينيا وثقافيا بشكل اوسع وهو التعامل الذي يعد مفيدا بالنسبة لمستقبل النجف الاشرف. إن التعاطي مع العالم الثقافي خارج الحوزة وحتى اقامة الملتقيات العابرة للحدود قادرة على المزيد من توثيق علاقة الجيل الجديد بالحوزة. وفضلا عن ذلك، فانها يمكن ان تمهد لنشر واصدار المنتجات العلمية للحوزة وتحضّر للحوار بين الاديان. ان هذا التعاطي يكتسي ضرورة اكثر لاسيما في عالم اليوم الذي تقدم فيه التيارات التكفيرية صورة تتسم بالعنف وغير عقلانية عن الدين ويمكن له ان يعرض الصورة الرحمانية للدين الاسلامي الحنيف. لكن يجب الانتباه إلى انه يجب التحسس تجاه اللقاءات السياسية بقدر ما يحظى به هذا التعاطي والتعاون الثقافي والعلمي من اهمية واهتمام.
وتم خلال الايام الاخيرة تدوال خبر وصورته على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بشان زيارة السفير البريطاني في ايران والسفير البريطاني في العراق لاحدى المؤسسات في النجف الاشرف. وجاء في الخبر ان هذا اللقاء ناقش مستقبل العراق ودور حوزة النجف الاشرف. وهكذا لقاء يثير حساسية أي قارئ مستقل ويمكن ان يطرح نقاط عديدة حوله. النقطة الاولى التي قد تتبادر الى الذهن هي: ما علاقة مستقبل العراق بسفيري بريطانيا في ايران والعراق، وما الضرورة لبحث دور النجف مع هذين السفيرين؟ وهل يتم تنظيم وضبط شؤون العراق على يد سفيري بريطانيا في ايران والعراق حتى يجب اللقاء معهم وفي النجف الاشرف على وجه التحديد؟ واضافة الى ذلك، يمكن التساؤل: الا يضفي هذا اللقاء مصداقية اكثر من اللازم على دور الدول التي لا زال سجلها وتاريخها الاستعماري محفور في الذاكرة؟
والسؤال الاخر الذي يطرح نفسه هو ان تيارات وكيانات سياسية مختلفة تعمل على الساحة اليوم في العراق وكل من هذه التيارات تسعى لرسم دورها عن مستقبل العراق. ومع ذلك، فان ما هو واضح وجلي بشان الاداء السياسي لحوزة النجف الاشرف، هو الاستقلال والتدخل في حده الادنى في هذه الشؤون وبالضبط من قبل المرجع الاعلى للتشيع. والا يحق للمراقب المستقل ان يتساءل: لماذا تتصرف بعض المؤسسات في النجف الاشرف والتي تنتمي بشكل ما للحوزة، على نطاق ابعد واوسع من سيرة الحوزة المقدسة للنجف الاشرف ومن دون اخذ الملاحظات الخاصة لهذه الحوزة بنظر الاعتبار؟ وهل من المقرر ان تضطلع هذه المؤسسات بدور سياسي في المستقبل بمنأى عن مسار ونهج اعاظم الحوزة؟ وتاسيسا على اي مصلحة او منفعة عقلانية، تقوم هذه المؤسسات بربط رؤيتها ونشاطها السياسي المحتمل بسفراء بريطانيا؟
والنقطة الاهم هي الا يمكن لهكذا لقاءات وزيارات ان توفر الارضية للحقودين على عالم التشيع لتمكنهم سواء داخل العراق او خارجه، من تخليق علاقة وهمية في اذهان ومخيلة الناس البسطاء الذين لا يمكن لهم تقديم تحليل عن الظروف، وتوجيه تهم زائفة وملفقة لعالم التشيع؟ وفي الوقت الذي تسعى فيه تيارات خاصة للنيل من عالم التشيع وحوزة النجف الاشرف، فان هكذا احداث يمكن ان تمهد لمهاجمة عالم التشيع وحوزة النجف الاشرف وتوجيه التهم لهما، وقد تلحق اضرارا في هذا الخضم بساحة المراجع الكبار، وتعقبها تبعات لا تحمد عقباها وتداعيات سلبية غير مرجوة كثيرة لحوزة النجف الاشرف واعاظمها.
إن احد الادلة التاريخية لسمو حوزة النجف يتمثل في انها كانت لها دائما علاقة مستقلة عن السلطة واستطاعت من خلال موقفها الناقد والمحب لخير المجتمع، الاضطلاع بادوار كبيرة. ان لقاءات واحداث مثل هذه، يمكن ان تمس بهذا الدور المستقل والوسطي للحوزة، وتتهمها بالتواصل والتنسيق مع الدول الاجنبية لتنظيم شؤونها السياسية. وثمة معطيات، تؤكد ان المرجعية العليا واعاظم حوزة النجف الاشرف لم ولا يوافقون البتة على هكذا لقاءات وزيارات، والاجدر أن تبدي المؤسسات التي تحمل عنوانا حوزويا، تحسسا تجاه هواجس المرجعية العليا واعاظم الحوزة وان تنتبه للامور، والا نشهد مستقبلا مثل هذه الاحداث المثيرة للريبة والشبهات.
*هذا المقال هو رأی الكاتب ولیس بالضرورة یعبر عن موقف الموقع
النهایة
www.ar.shafaqna.com