شفقنا-خاص- المذبحة المروعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني ضد المتظاهرين العزل من اهالي غزة ، الذي خرجوا بصدور عارية احتجاجا على نقل السفارة الامريكية الى القدس وتأكيدا على حق العودة ، بعثت الروح في المشاعر الميتة لدى الغرب الذي لم يجد مسؤولوها من خيار امامهم ، الا التنديد والاعتراض على المجزرة ، خوفا من اتهامهم بانهم فقدوا انسانيتهم.
جهتان فقط ، من بين جميع دول العالم ، لم تحرك فيهم المجزرة اي مشاعر انسانية حتى في حدودها الدنيا ، وهاتان الجهتان هما امريكا والانظمة العربية وخاصة الخليجية منها ، دون ان يحسبوا حتى للراي العام لديهما اي حساب.
امريكا ، شذت بموقفها ، كشذوذ رئيسها ، عندما اشادت مندوبة ترامب في مجلس الامن نيكي هيلي بضيط النفس الذي تتحلى به اسرائيل” !! في تعاملها مع الاحتجاجات السلمية لاهالي غزة ، متجاهلة المذبحة التي ذهب ضحيتها اكثر من 60 شابا بينهم اطفال ورضيعة لا يتجاوز عمرها ثمانية اشهر واصابة نحو 3000 شخص اصابة بعضهم خطيرة.
عربيا ، كان الامر في غاية الذلة والخنوع ، فاذا ما استثنينا ، بعض الانظمة التي اجترت بياناتها المنددة بالمذبحة في غزة وبنقل السفارة الامريكية الى القدس ، في الظاهر من اجل حفظ ما تبقى من ماء الوجه ، ولعدم استفزاز سيدها الامريكي ، فكان واضحا الدور المخزي والعار لبعض الانظمة الاخرى ، التي تواطأت وبشكل علني مع امريكا في نقل سفارتها الى القدس ، ومع “اسرائيل” في ارتكاب مذبحة غزة.
ما كان بامكان رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو ليتجرأ على ارتكاب مذبحة غزة وبدم بارد لولا وجود الرئيس العنصري المعتوه القابع في البيت الابيض وبطانته الانجيلية المتعصبة ، كما ما كان للرئيس الامريكي ان يعطي الضوء الاخضر للسفاح نتنياهو ، لولا تواطؤ بعض الانظمة العربية وفي مقدمتها الانظمة الخليجية ، وما قامت به من دور في توفير الارضية امام ترامب لنقل السفارة ولنتنياهو بارتكاب المذبحة.
اليمين الامريكي المتصهين ، يرى في نقل السفارة وفي المذابح التي يرتكبها نتنياهو ضد الفلسطينيين ، وفي خلق عدو للعرب غير “اسرائيل” ، وفي زرع الدمار والخراب في البلدان العربية ، وفي استقطاب كل الجماعات التكفيرية الوهابية من مختلف انحاء العالم الى سوريا والعراق والمنطقة ، لزرع لفوضى فيها ، وفي شيطنة ايران وحزب الله ومحور المقاومة ، يرى في كل ذلك كمقدمة لتمهيد الارضية لصفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل والى الابد.
من اجل تحقيق صفقة القرن كان لابد من ان تنتقل الانظمة العربية وفي مقدمتها الانظمة الخليجية الثرية وعلى راسها السعودية والامارات ، ان تنتقل من السر الى العلن ، في ادائها الوظيفي لخدمة المشروع الصهيوامريكي المتمثل بصفقة القرن ، الامر الذي يوضح سبب هرولة هذه الانظمة الوظيفية للتطبيع مع “اسرائيل” بهذا الشكل المخزي.
في سنوات قليلة جدا تُعد على اصابع اليد الواحدة ، عقد زعماء هذه الانظمة عشرات بل مئات الاجتماعات العلنية مع زعماء “اسرائيل” ، واطلقوا تصريحات ضد ايران ومحور المقاومة وحزب الله ، لم تخرج من اكثر زعماء “اسرائيل” تطرفا ، فهذا ولي العهد السعودي يعلن ان فلسطين ارض يهودية ، وعلى الفلسطينيين ان يقبلوا بسياسة ترامب او ان يخرسوا ، وان الخطر على العرب لا يأتي من “اسرائيل” بل ايران ، وهذا وزير خارجية البحرين يعلن وبصريح العبارة : ان من حق “اسرائيل” ان تدافع عن نفسها ضد ايران وسوريا وحزب الله ومحور المقاومة ، ومن قبل قال ملكه انه يرفض محاصرة “اسرائيل” وعدم التطبيع معها، واُطلقت الفتاوى الوهابية التي حرمت الدعاء بالنصر لحزب الله الذي كان في حرب مع “اسرائيل” لانه “حزب شيعي رافضي” ، واعلنت هذه الانظمة فتح ارضها وسمائها امام “اسرئيل” للهجوم على ايران ، بل ان الاثرياء في هذه الانظمة اعلنوا استعدادهم لتمويل اي هجوم “اسرائيلي” او امريكي على ايران ، وبدات الفرق الرياضية الاماراتية والبحرينية تذهب الى “اسرائيل” للمشاركة في المسابقات الرياضية.
كل هذه المواقف والاجراءات لم تكن جديدة ، بل الجديد هو في علنيتها وكثافتها وسرعتها ، وتزامنها مع حملة شرسة لغسل الادمغة تبنتها فضائيات منبطحة مثل “العربية” السعودية و “الجزيرة” القطرية وشقيقاتها ، ضد الانسان العربي ، تضمنت عمليات تلميع صورة “اسرائيل” واظهارها كحمل وديع وكحليف للعرب امام “الخطر الشيعي الايراني” ، وشيطنت محور المقاومة ، والباس الانبطاح والتبعية والخنوع لبوس العقلانية والحكمة ، والباس المقاومة والتصدي للمشروع الصهيوامريكي لبوس التطرف والارهاب والطائفية.
يبدو ان الحرب النفسية التي شنتها فضائيات خليجية على المخاطبين العرب ، اثرت على رؤية بعضهم الى ما يجري من حولهم ، ففي الوقت الذي كان من المتوقع ان تخرج الجماهير العربية عن بكرة ابيها الى الشوارع من اجل التضامن مع الفلسطينيين في غزة ، والاحتجاج على نقل السفارة الامريكية الى القدس ، الا ان التظاهرات التي شهدتها بعض المدن العربية لم تكن عند مستوى الحدث.
ان ما شهدته غزة خلال الايام القليلة الماضية كان امتحانا صعبا ، خرج منه الشعب الفلسطيني مرفوع الراس ، الى جانب محور المقاومه وجماهيرها ، بينما كان السقوط ، بكل معانيه ، من نصيب الانظمة العربية الرجعية والمنبطحين والتطبعيين والمستسلمين.
*جمال كامل
انتهى