شفقنا ـ هجوم إرهابي جديد يضرب تونس، ويدق جرس الإنذار بأن البلد لا يزال في مواجهة الخطر الإرهابي، وأن انحسار الهجمات في العامين الأخيرين، لا يعني البتة الخروج من خانة الاستهداف، وفق خبراء.
ضربة تعدّ الأعنف والأكثر دموية في البلاد منذ أكثر من عامين، حصدت، الأحد، أرواح ستة من عناصر الحرس الوطني التونسي، في هجوم إرهابي استهدف دورية للحرس بمنطقة تابعة لمحافظة “جندوبة” (شمال غرب).
وأعلنت كتيبة “عقبة بن نافع″ التابعة لتنظيم “القاعدة بالمغرب الإسلامي”، مسؤوليتها عن الهجوم.
وأجمع خبراء، استطلعت الأناضول آراءهم، أن الخطر الإرهابي يظل قائما في تونس، رغم تحجيم قدرات الجماعات الارهابية الناشطة في المرتفعات الغربية على الحدود مع الجزائر.
وعقب التوتر الأمني الذي هز تونس من 2013 حتى 2015، ساد البلاد نوع من الهدوء، قبل أن تهتز ثانية، على وقع هجوم استهدف، في مارس/ آذار 2016، مدينة “بنقردان” على الحدود الجنوبية مع ليبيا، من قبل مجموعات مسلّحة تابعة لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش”.
وأسفر الهجوم عن مقتل 13 أمنيا وعسكريا وسبعة مدنيين و55 من المهاجمين.
** محاولة لكسر “الحصار”
مختار بن نصر، العميد السابق بالجيش التونسي، رأى في هجوم “جندوبة” محاولة لافتكاك المبادرة، وكسر الحصار المفروض على المجموعات الإرهابية منذ أشهر.
وفي اتصال هاتفي مع الأناضول، أضاف بن نصر الذي يترأس “اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب” (حكومية)، أن “المبادرة كانت، في الفترة الماضية، من طرف القوات الأمنية والعسكرية التونسية”.
وموضحا أن “القوات تمكّنت من القبض على عدد من الإرهابيين، وقتل آخرين، وكشف مخابئهم ومخططاتهم، ما ساهم في تحجيم قدرات المجموعات الإرهابية، وأجبرها على التراجع″.
الخبير العسكري رأى أيضا أن العملية جاءت في ظرف صعب، تعيش فيه تونس حالة ارتباك على المستويين السياسي والاجتماعية.
وأشار أن التنظيمات الإرهابية “تستثمر مثل هذه الأوضاع لبث حالة الفوضى بالبلاد”.
وشدّد بن نصر على أن تونس “في حاجة إلى الوحدة الوطنية، وإلى عدم التشكيك في وطنية وتفاني وإخلاص القيادات الأمنية”.
ولفت إلى أنّ “التفسير القائل بأن وقوع الهجوم الإرهابي ناجم عن تغيير وزير الداخلية السابق لطفي براهم، أمر خاطئ تماما”.
وخلص إلى أن المجموعة التي نفّذت العملية، وحتى صاحب البيان الذي أعلنت فيه كتيبة “عقبة بن نافع″ مسؤوليتها عن الهجوم، “أقل خبرة من القيادات السابقة لهذه المجموعة الإرهابية، بحسب المعطيات وخاصة البيان الذي ورد فيه استدلال بوسائل الإعلام على غير عادة هؤلاء الإرهابيين”.
وتبنت الكتيبة، مساء الأحد، الكمين الإرهابي، ونقلت وسائل إعلام محلية بيانا قالت إنه نشر على مواقع عالمية يستخدمها التنظيم الإرهابي.
وجاء في البيان أن العملية الإرهابية “تمت بعد رصد وإعداد محكم”، مدّعيا أن الهجوم “أسفر عن مقتل 9 من أفرد دورية الحرس الوطني، بينهم ضابط برتبة ملازم أول، وإصابة عنصر آخر بجروح خطيرة”.
** هجمات أخرى؟
من جانبه، اعتبر طارق الكحلاوي، المدير العام السابق لـ”المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية” (تابع لرئاسة الجمهورية)، أن المعطيات المتوفرة حول الهجوم، وطريقة تنفيذه، تشير بقوة إلى أن كتيبة عقبة بن نافع هي المنفّذ لها”.
وأوضح الكحلاوي أن “طريقة التنفيذ ليست جديدة وحدثت سابقا، إلا أن اللافت في هذه العملية هو أن كتيبة عقبة عادة ما تنفذ هجماتها بصفة متتالية وفي شهر رمضان”.
وتابع: “لكن يبدو أنه لم يكن متاحا لها تنفيذ مخططاتها في الوقت الذي كان مبرمجا له، بسبب اليقظة الأمنية والنجاحات الأمنية المهمّة”.
وأقرّ الكحلاوي أنه من غير المستبعد أن ينفذ -أو يحاول- التنظيم هجمات إرهابية أخرى في الفترة المقبلة، خصوصا عقب ظهور تسجيل لقيادات التنظيم تضمنت رغبة الأخير في “تنشيط” هجماته في تونس.
وفي يناير/ كانون ثان الماضي، أعلنت الداخلية التونسية أن قواتها الخاصة قتلت الجزائري بلال القبي، الذراع اليمنى لـ”عبد المصعب عبد الودود”، زعيم تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”.
وقضى الإرهابي في كمين بينما كان في مهمة لإعادة تنظيم فرع “القاعدة في تونس، بإعادة هيكلة كتيبة “عقبة بن نافع″.
** ثغرات أمنية رغم النجاحات
بدوره، اعتبر الباحث التونسي المختص في الجماعات الجهادية، سامي براهم، أن هجوم جندوبة يؤشّر على أن الجماعات الإرهابية مازالت موجودة في تونس، سواء على مستوى الخلايا الناشطة أو النائمة.
ولفت إلى أن النجاحات الأمنية المسجلة في العامين الماضيين، لم تمنع بقاء وتواصل الظاهرة الإرهابية ميدانيا”.
وأوضح أن عدم الاستقرار السياسي والوضع الاجتماعي الصعب بالبلاد، يسهّلان عملية استقطاب التنظيمات الإرهابية للشباب من أجل تجنيده في صفوفها.
ووفق الخبير، فإنه “لا تزال هناك ثغرات أمنية يقع استغلالها من قبل هذه التنظيمات الإرهابية”.
ويرى الباحث أن الهجوم الأخير يأتي في إطار مواصلة العمليات الإرهابية السابقة، ويدل على أن الإرهاب خمد مؤقتا لكنه مازال موجودا، وسيحاول أن يطل برأسه كلما سنحت له الفرصة.
وظهرت “كتيبة عقبة بن نافع″ لأول مرة، في ديسمبر/ كانون أول 2012، في جبل “الشعانبي” على الحدود الغربية لتونس مع الجزائر.
وبين عامي 2013 و 2014، نفّذت عدّة عمليات إرهابية ضد الجنود التونسيين في المرتفعات الغربية للبلاد.
وفي 13 يوليو/ تموز 2015، أعلن وزير الداخلية الأسبق، ناجم الغرسلي، في مؤتمر صحفي، أنه تمّ القضاء على معظم قيادات الكتيبة، وعلى رأسهم مراد الغرسلي، المكنى بـ”أبي البراء”.
وخلف الأخير في قيادة الكتيبة، الجزائري خالد الشايب، الملقب بـ “لقمان أبو صخر” قبل أن يلقى الأخير بدوره حتفه في عملية أمنية بمحافظة قفصة (جنوب غرب)، في مارس/ آذار من العام نفسه.
النهایه