شفقنا- في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) القادم، ستطير الفتاة الأيزيدية الجميلة نادية مراد إلى العاصمة النرويجية أوسلو، لكي تتسلم جائزة نوبل للسلام لعام 2018؛ وذلك تقديرًا لنشاطها و مجهوداتها في مكافحة العنف الجنسي والاتجار بالفتيات اللواتي وقعن تحت قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق. نوبل ليست هي جائزة نادية مُراد الأولى في ميدان حقوق الإنسان فقد حصلت قبلها على جائزة «سخاروف» عام 2016، بعنوان «المرأة التي وقفت ضد «داعش»؛ وهي أرقى جائزة أوروبية تمنح لنشطاء حقوق الإنسان.
لكن مسار نادية مراد النضاليّ سيتعرّض لانتقادات كبيرة بعد زيارتها لإسرائيل السنة الماضية، إذ رأى البعض أن هذه الزيارة تمثّل «طعنًا في الظهر» للمناضلين الفلسطينيين من قِبل شخصيّة حقوقية من المفترض أن تُسارع للتضامن مع قضاياهم، خصوصًا وأن الكثير منهم يتعرضون لاعتداءات جنسيّة داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي، فما هي قصّة نادية مراد بالضبط؟
ثلاثة أشهر في الجحيم.. كيف سقطت بين أيدي «داعش»
في إحدى ليالي أغسطس (آب) عام 2014، تحوّلت حياة نادية إلى كابوس مرعب، وذلك عندما هاجم عناصر «تنظيم الدولة» قريتها الصغيرة المُسماة «كوجو» التي تقع في شمال العراق. كانت حينها نادية مجرّد فتاة بسيطة تعمل في صالون للتجميل، لم تتجاوز الواحد والعشرين من عمرها، وتنتمي لأسرة فقيرة تتكون من أب وأم ولها ستة إخوة، قُتلوا جميعًا على أيدي «داعش» في حين وقعت هي في الأسر، وأصبحت «سبيّة» لأفراد التنظيم لمدة تزيد عن الثلاثة أشهر.
روت نادية قصة وقوعها في الأسر بعد هروبها في كتاب لها بعنوان «الفتاة الأخيرة»، إذ كانت واحدة من بين 3 آلاف فتاة أيزيدية وقعوا في قبضة عناصر «تنظيم الدولة» وأصبحوا سبايا يتم الاتجار بهم واستغلالهم جنسيًا. تحكي نادية أن أول اعتداء جنسي تعرّضت له كان في ليلة العشرين من أغسطس عام 2014، عندما بادر أحد أعضاء التنظيم بالاعتداء عليها فطلبت منه أن يتوقف لأنها تمرّ بأيام الدورة الشهرية، ولكنه استهزأ بها وجرّدها من ملابسها حتى تأكّد من صدقها وابتعد عنها، ولكن في الليلة التالية، لم تمنع الدورة الشهرية فردًا آخر من اغتصابها.
قبل أقل من أسبوع من الاعتداء الأول عليها، وتحديدًا يوم 15 أغسطس؛ قام عناصر التنظيم بفصل النساء والفتيات عن رجال القرية، ونقلوا الفتيات إلى أربع منشآت في مدينة الموصل، حيث مركز التنظيم حينها، ووعدوا الجميع بأنهم مجرّد رهائن لن يصابوا بأي أذى، لأنّ حرب التنظيم ليست مع الأيزيديين بل مع الحكومة العراقيّة. وتضيف نادية في كتابها إن عناصر التنظيم أمهلوا سكّان القرية 10 أيام لكي يدخلوا في الإسلام، ولكن بعد أن رفضوا التخلي عن عقيدتهم الأيزيدية؛ قام عناصر التنظيم بإعدام كل رجال قرية نادية، وتحوّلت الفتيات من أحرار إلى «سبايا» يمُنحن جوائز لأفراد التنظيم بعد الهجمات، وللفائزين في المسابقات الدينية التي يطلقها التنظيم.
بيعت كالعبيد.. وهربت من الأَسر بأعجوبة
بعد اعتداءات جسدية متتالية في البداية من أفراد التنظيم، تنقلت نادية من مكان إلى آخر داخل نطاق سيطرة تنظيم «داعش»؛ وذلك لأنها كانت تُباع وتشترى وتستأجر، ويتغير مكانها حسب المالك أو المستأجر الجديد، وكانت تعلق صورتها مع صور أخريات على جدران الموصل، وحملت كل صورة لها مواصفتها الجسدية وعمرها وبيانات مالكها، وعلى من يريد أن يستأجرها أن يتواصل مع المالك ويتّفق معه على السعر، مقابل اغتصابها.
تعرضت نادية لأبشع أنواع التعذيب والاغتصاب، وعندما سألت عمّا كان يدور في بالها حينما كانت تتعرض لاعتداء، قالت إنها: «كانت تغلق عينيها لكي لا ترى هذا المنظر البشع، وكانت ترى صورة لأمها في مخيلتها تشدّ بأزرها، وأردفت أن طيف أمها هو الشيء الوحيد الذي أبقاها صامدة على قيد الحياة طيلة المدة التي قضتها في قبضة عناصر «الدولة الإسلامية»، لأنها كانت تحلم أن تقابل أمّها مرّة أخرى ويعيشا في سلام بعيدًا عن كل تلك المآسي التي تعرضن لها منذ هجوم «تنظيم الدولة» على قريتهم الصغيرة المُسالمة».
وفي فبراير (شباط) 2015 اعتقدت نادية أنها أوشكت على تحقيق حلمها الوحيد منذ وقوعها في الأسر؛ عندما تمكنت بشجاعة من الهروب من الموصل بمساعدة أُسرة بسيطة، ولكن هذا الحلم هو الآخر تحول إلى كابوس، ففي اليوم الأول التي وصلت فيه إلى مخيم زاخوا في كردستان، علمت أن جثة والدتها وُجدت مع 84 جثة أخرى لنساء أيزيديّات في مقبرة جماعيّة بعد أن أعدمتهم عناصر «تنظيم الدولة» في مدينة صولاخ.
بعد شهور قليلة من فرار نادية إلى كردستان، سافرت إلى ألمانيا ضمن مشروع إعادة تأهيل 1000 فتاة أيزيدية، صمّمته الحكومة الألمانية لمعالجة الفتيات اللاتي تعرضن لصدمات نفسيّة جرّاء تعذيبهنّ من طرف «تنظيم الدولة». وفي ألمانيا تحوّلت نادية مراد إلى النشاط في مجال حقوق إنسان، وأصبحت من أكثر الأصوات شهرة في الدفاع عن حقوق الفتيات اللاتي تعرّضن وما زلن يتعرضن للعنف الجسدي، سواء على يد «تنظيم الدولة» أو أي جماعة أخرى، مما دفع شخصيات عالمية كبيرة لتأييدها وتقديم الدعم السياسي والمادي لها مثل: المحامية الأيزيدية الشهيرة أمل علم الدين، وسمانثا باور سفيرة الرئيس الأمريكي السابق للأمم المتحدة، كما أن الأمم المتحدة نفسها عيّنت نادية سفيرة للنوايا الحسنة في سبتمبر (أيلول) عام 2016، وأخيرًا تُوّج مسارها النضاليّ بجائزة نوبل للسلام التي ستستلمها في ديسمبر القادم.
زيارة إلى إسرائيل تعصف بتاريخها النضاليّ
في يوليو (تموز) 2017، كانت نادية مراد مع خطوة مثيرة للجدل تضع تاريخها النضاليّ على المحكّ، إذ أجرت زيارة إلى إسرائيل للمشاركة في مؤتمر خاص لتخليد ذكرى «المجازر ضد الشعب الأيزيدي» من طرف تنظيم «داعش»، والذي يُقام في الكنيست الإسرائيلي. وقد صرّحت خلال زيارتها بأنّها «تشعر بالسرور الشديد لأن تكون في إسرائيل لأوّل مرة، هذا البلد الذي مر بأشياء مثل المحرقة، سيظهر تفهمًا للجرائم التي يرتكبها «داعش» ضد الشعب الأيزيدي وضد العديد من الأقليات في العراق وسوريا».
المناضلة التي رافعت من أجل حقوق النساء الأيزيديّات وطالبت في الأمم المتّحدة من خلال منصبها سفيرةً للنوايا الحسنة بحماية النساء في الأطفال في العالم، تجاهلت خلال زيارتها لإسرائيل قضيّة الأسيرات الفلسطينيات التي تشير التقارير إلى تعرّضهنّ لظروف مزرية داخل السجون الإسرائيليّة؛ بالإضافة إلى احتجاز الاحتلال الإسرائيلي لـ350 طفلاً فلسطينيًّا في سجونه، وفي الوقت الذي أوصلت نادية مراد الصوت الأيزيدي للعالم؛ صمّت أذناها عن أنين الأسرى الفلسطينيين.
محمد صلاح عبد الجواد
النهایة