شفقنا-خاص – قال الباحث الامريكي جنيو عبدو في مقال نشرته وكالة “بلومبرغ” الامريكية ان اية الله العظمى السيستاني يكون قد ابتعد عن دوره التقليدي من خلال التأثير على إنتخاب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية العراقيين الجديدين.
واضاف عبدو في مقاله: انه يمر الان نحو خمسة اشهر على الانتخابات العامة العراقية، لكن عادل عبد المهدي اختير في النهائة ليكون رئيسا للوزراء. وفي الحقيقة فان لا عبد المهدي ولا الرئيس العراقي الجديد برهم صالح ولا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وحلفائه الذين فازوا باغلبية مقاعد البرلمان في إنتخابات شهر مايو، لن يكون لاي منهم الدور الأكبر على الارجح في التاثير على ما اذا كان العراق بوسعه إنجاز الاصلاحات الاساسية لبناء دولة مستقرة ومزدهرة.
وفي المقابل فان اية الله العظمى السيستاني عالم الدين البارز في العراق والبالغ من العمر 88 عاما، هو الشخصية الرئيسية في هذه القضية. وبينما ابتعد السيستاني عن السياسة بشكل عام، لكنه خاض مفاوضات لعدة اشهر لجمع الاطياف المختلفة والتي ادت في خاتمة المطاف الى اختيار عادل عبد المهدي الذي هو خبير اقتصادي ومساعد سابق للرئيس العراقي، لتولى منصب رئيس الوزراء.
إن موقع اية الله السيستاني في قمة الهرم السياسي في العراق، يعد امرا غير مسبوق بالنسبة لرجل دين في العراق. وطوال تاريخ الشيعة – حتى عام 1979 حيث انتصرت الثورة الاسلامية في ايران واسفرت عن قيام نظام حكم ديني فيها – فان القادة الدينيين، كانوا يحجمون دائما عن التدخل المباشر في الحكم وشؤون الدولة.
ان اية الله السيستاني قال انه قلق من تدخل الدول الجارة بعد الانسحاب الامريكي من العراق عام 2011. لكن هذا لا يعني ان اقوى عالم ديني في العراق، يواكب دائما المصالح الامريكية أو يدعمها، لكنه اولا والاهم من كل شئ شخص وطني.
واطلعت من مصادر علماء الدين في النجف، المدينة المقدسة لدى الشيعة، بان هذه “الضرورة” – التي يطلق عليها في الاسلام اسم “المصلحة” – ادت الى أن يضطلع اية الله السيستاني بدور بارز في نظام الحكم في الوقت الحاضر. وهذا حصل ايضا مع اية الله الامام الخميني قائد الثورة في ايران بعد عام من عودته من المنفى.
لكن اية الله السيستاني يعتبر هذا التدخل في السياسة ضرورة اجتماعية واخلاقية من اجل الصالح العام، وبحاجة الى تواجد شخص في موقع من السلطة ليتدخل من اجل “الامر بالمعروف والنهي عن المنكر”.
ان اية الله السيستاني لا يمارس نفوذه من خلال التعيين. وهذا يجعله قادرا على التاثير على مسار حياة اتباعه ليس في العراق وحده فحسب، بل في ارجاء المنطقة. وهذه ليست المرة الاولى التي يستخدم فيها نفوذه بشكل مباشر في السياسة، لقد استخدم قبل هذا هذه السلطة والموقع لمساعدة الشعب. لقد طلب من الشعب العراقي ان يخوض حربا ضد داعش، واضطلع احيانا بدور التحييد في العلاقة بين امريكا وايران. انه عارض كذلك مقتدى الصدر الذي كان قد دعا انصاره في السابق للحرب ضد امريكا وطالبها بمغادرة العراق.
وعلى اي حال فان على العراقيين ان يدعموا تدخل اية الله السيستاني، لانه يضطلع بدور بناء اكثر من الجميع. وليس استطاع من خلال دعمه، ازالة الطريق السياسي المسدود وتشكيل الحكومة الجديدة فحسب بل ان الدعم الذي يقدمه اسفر عن اختيار برهم صالح رئيسا للعراق. ويتمتع هذا الزعيم الكردي بشهرته بسبب توجهاته السلمية.
ان دور اية الله السيستاني في كل هذه الامور، يظهر ذكائه السياسي الخارق. وكان اية الله السيستاني قد اصدر بداية تعليمات مفادها انه لا يحق لاي سياسي كان قد تقلد في الماضي مناصب سياسية في الحكومة، ان ينتخب رئيسا للوزراء، لكن وكما يقول نجل اية الله السيستاني، فان عبد المهدي استثني من هذه القاعدة لانه قدم استقالته قبل انتهاء فترة توليه لحقيبة النفط.
ان دور اية الله السيستاني بوصفه احد دعائم السلطة، جيد جدا بالنسبة للعراقيين الذين يحاولون الابتعاد عن هويتهم الطائفية والتحرك باتجاه الهوية الوطنية. صحيح ان الحكومة في العراق تعاني من الفساد وسوء الادارة الاقتصادية والاستقطابات السياسية، لذلك فان هذا المسار لتحقيق الاستقرار الذي ينشده اية الله السيستاني، بحاجة الى قائد قوي. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل أن هذا الامر سيتحقق في حياة اية الله ام لا؟