شفقنا- لا تشغل البال بماضي الزمان، ولا بآتي العيش قبل الأوان، واغنم من الحاضر لذاته؛ فليس في طبع الليالي الأمان.
هذا الاقتباس من «رباعيات الخيام» التي كتبها الشاعر والعالم المسلم الفارسي عمر الخيام، هي اختصار قصير وموجز لواحد من أهم ركائز ثقافة «الزن»، والثقافات الروحانية الشرقية التي يروّج لها الآن.
ويعتبر كتاب «The Power of Now: A Guide to Spiritual Enlightenment» للكاتب الألماني إيكهارت تولي، من الكتب التي تشرح تلك الجملة بالتفصيل، وتشرح فوائدها على حياة الإنسان وروحه وعقله. هذا الكتاب قد نُشر بعد سنوات طويلة من كتابة الخيام للرباعيات؛ لندرك أن عمر الخيام كان مفكرًا بعيد النظر.
حينما يُذكر اسم عمر الخيام؛ قد يتذكر البعض النبيذ الشهير الذي يحمل صورته على الزجاجة، والبعض الآخر قد يتردد في ذهنه صوت أم كلثوم وهي تشدو بتلك الأبيات المميزة. ولكن قد يتذكر القليل أو يعرف الجانب الآخر لعمر الخيام، والذي ساهم بالكثير في مجال الرياضيات والعلوم، وفي هذا التقرير نأخذكم في رحلة مع هذا الجانب من حياة عمر الخيام.
عمر الخيام.. «دراسة حول مظاهر مشاكل الجبر والموازنة»
بعد وفاة والده؛ انتقل عمر الخيام للإقامة في سمرقند والتي تقع اليوم في أوزبكستان، حيث قابل صديقًا قديمًا لوالده يدعى أبو طاهر، والذي كان حاكمًا للمدينة في ذاك الوقت، وعندما لاحظ أبو طاهر موهبة عمر المميزة في تعامله وإدراكه للأرقام؛ منحه وظيفة في خزانة الملك ليكون مسئولًا عن حسابات الدولة المالية.
وخلال إقامته في سمرقند؛ حقق الخيام تقدمًا كبيرًا في فهم الجبر وممارسته؛ حينما استنتج أنه غير ممكن حل المعادلات التكعيبية باستخدام الأدوات الهندسية اليونانية القديمة المعتادة في ذاك الوقت، وأكد أن هناك طرقًا أخرى قد تكون أكثر فعالية.
وحينما كان عمره 22 عامًا، وفي عام 1070 ميلاديًا، نُشر له كتاب «دراسة حول مظاهر مشاكل الجبر والموازنة» والذي يعتبر من أهم الكتب في علم الجبر حتى الآن، ومن خلال هذا الكتاب شرح كيفية حل المعادلات التكعيبية، وأثبت أنها من الممكن أن يكون لها أكثر من حل واحد، كما شرح في الكتاب الطرق التي يمكن من خلالها إعطاء حلول هندسية للمعادلات التكعيبية.
منح هذا الكتاب بما فيه من نظريات ثورية عن علم الجبر؛ مكانة ومرتبة مرتفعة لعمر الخيام الشاب وسط علماء الرياضيات في بلاد فارس وخارجها أيضًا.
«لا أريد أن أحكم الناس ».. عمر الخيام فلكيًا وثوريًا
دُعي عمر الخيام في سن السادسة والعشرين إلى أصفهان، حيث بلاط ملك شاه حاكم السلجوقيين، وكان عمر ضمن حاشيته المقربة وتمتع بشهرة كبيرة في ذاك الكون بكونه على دارية كبيرة بعلم الفلك والتنجيم.
ولذلك كلفه الحاكم بإدارة المرصد الفلكي لأصفهان وظل مسئولًا عنه لما يقرب من 30 عامًا، وخلال هذه الفترة طوّر عمر أفضل تقويم في العالم، حينما وجد الخيام أن طول السنة الاستوائية 365.2422 يومًا، قدم السلطان ملك شاه تقويم عمر الخيام الجديد للإمبراطورية السلجوقية، واستخدم هذا التقويم الذي وضع على يد عمر الخيام حتى القرن العشرين.
وعلى الرغم من مكانة الخيام بين الناس وشعبيته، إلا أن فلسفته في الحياة لم تترك في قلبه رغبة في سلطة أو حُكم، وحُكي عن الخيام أنه حينما عرض عليه حاكم الإمبراطورية السلجوقية أن يتولى حكم مدينة نيسابور؛ فأجاب عمر الخيام قائلًا: «لا أريد أن أحكم الناس، بل أريد تكريس كل فكري للعلم ولفائدة الناس».
وعلى الرغم من تواضعه الذي اشتهر به، ورغبته الدائمة في العزلة وتجنب الصراعات، إلا أن الصراعات كانت تطرق بابه بسبب أفكاره الثورية والتحريضية في بعض الأحيان على المسلمات في حياة الناس في ذاك الوقت سواء دينيًا أو علميًا؛ فساءت علاقته بالفقهاء البارزين، ولذلك في السنوات الأخيرة من عمره اضطر عمر الخيام لترك بلده والذهاب إلى مكة.
أول من فتح الباب للهندسة اللاإقليدية
الكُتب التي نُشرت قبل الميلاد، والتي كتبها عالم الرياضيات اليوناني إقليدس، تعتبر من أكثر الكتب تأثيرًا في تاريخ الرياضيات بالعالم، وقد بُنيت عناصر هذا الكتاب على خمس مسلمات هندسية، مثل معلومة أن الزوايا الصحيحة متساوية مع بعضها البعض.
والمُسلمة الخامسة من مسلمات إقليدس كانت مصدر حيرة لدى علماء الرياضيات على مدار آلاف السنين، خاصة حينما كانت تبوء محاولتهم في إثبات هذه النظرية بالفشل، وتنص المسلمة الخامسة على أن «من أي نقطة خارج مستقيم ما، يمر مستقيم وحيد يوازي المستقيم المذكور، وإذا قطع قاطع للمستقيمين، تكون كل زاويتين متبادلتين متساويتين في القياس، وتكون كل زاويتين داخليتين وفي جهة واحدة من القاطع مجموعهما 180 درجة، وتكون كل زاويتين متناظرتين متساويتين في القياس.
وقد حاول عمر بدوره أن يثبت تلك الفرضية ولكن بطرق مختلفة، ومبتكرة عن باقي العلماء، وعلى الرغم من أنه لم ينجح في تلك المهمة، إلا أنه دون أن يقصد أسس لفرع جديد بعلم الرياضيات يُطلق عليه « الهندسة اللاإقليدية» وهي المقابل للهندسة الإقليدية.
امیرة حسن
النهایة