وكان المحاضر فيها العلامة الدكتور السيد طالب الحسيني الرفاعي، الذي أفاض على الحاضرين خلال ساعة ونصف من الوقت بالكثير من الحوادث الاسلامية المهمة، وقد حضر الندوة العلمية لفيف من الأساتذة الجامعيين والكتاب والمؤلفين وجمع غفير من طلبة وأساتذة العلوم الدينية.
استهل السيد الرفاعي ندوته بالحديث في اجواء قوله تعالى: ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ))، وهو اعلان رسمي الى رسول الله صلى الله عليه واله للبدء بتأسيس الدولة الاسلامية المباركة، ووضع الخطوط العريضة لها وتكليف الإمام أمير المؤمنين لخلافة وأمرة المسلمين من بعده، بعدما أحجم القوم من بني هاشم على الاستجابة لندائه الا علي صلوات الله عليه.
ومن هنا بدأ السيد الرفاعي بسرد الاحداث التاريخية التي رافقت نشأة الحركات السياسية في الاسلام يتخللها شيء من التحليل الشخصي والموضوعي للبعض منها.
فذكر ان الاسلام جزء لا يتجزأ من الدولة وهما وجهان لعملة واحدة لو صح التعبير، فالدولة تعتمد في اصولها وتفريعاتها ومضامينها وقوانينها على دستور وقانون الاسلام وهذا ما كانت تطرحه الحركات الاسلامية من شعارات ولا زالت.
وتطرق الرفاعي الى قيام دولة الجزائر علي يد بن باديس والابراهيمي اعقبتها الحركة الاسلامية في مصر على يد حسن البنا انتشرت في كل بلاد المسلمين، وبلاد العرب على وجه الخصوص.
ثم عرج الى العراق وبدأ الحديث عن الحركات الاسلامية السياسية وأنها بدأت فعلا بعد دخول الاستعمار البريطاني سنه 1914، واحتلال بغداد سنه 1917، مبينا ان ملاذ الناس من شيعة العراق وسنته وباقي طوائفه كان بالمرجعية الدينية في النجف الاشرف التي تمثل الاسلام الحقيقي، وكيف انهم التجئوا الى المرجع الشيرازي في كربلاء المقدسة في حينها ليأتمروا بأمره وتوجيهه فأعلن عن قيام ثورة العشرين التي تطالب بحكم مستقل في العراق يكون على راسه ملك مسلم وتحقق لهم ما ارادوا الا ان عمره كان قصيرا نسبيا.
وبعد استلام فيصل الثاني لحكم العراق وما حصل في فترة حكمه من الوصاية على العرش ورجوع قوى الاستعمار بشكل معلن هذه المرة ظهرت بعض الحركات السياسية الاسلامية الصغيرة التي انتهت مع مرور الزمن لضعف التفاعل معها وقلة مناصريها مثل الدعوة الى الرجوع الى الدولة العثمانية من جديد على يد الحاج نجم البقال ثم تأسيس حزب اسلامي من قبل محمد جواد الجزائري، وبمساعدة السيد محمد علي بحر العلوم والد المحامي الشهير ضياء بحر العلوم ، وبعده جاء ولده السيد عز الدين بحر العلوم بفكر سياسي اخلاقي جمع حوله الشباب المسلم ثم تفرع عنه شباب العقيدة والايمان وعلى راسهم السيد محمد علي المرعبي.
ثم استرسل في الحديث حتى وصل الى حزب الدعوة الاسلامية وبداياته التي عاشها وعايشها بنفسه حفظه الله، فقال: الان نأتي الى حزب الدعوة الاسلامية وهو حزب سياسي اسلامي ولد في بلاد الشيعة في العراق بعد دخول الفكر الإخواني الى العراق على يد محمد حامد الصواف الذي درس في مصر، وتأثر بالفكر الإخواني آنذاك ثم تأسيس حزب التحرير الذي انتشر في فلسطين وسوريا والاردن على يد تقي النبهان، ثم اتصال عبد القديم زلوم بي شخصيا بواسطة محمد هادي السبيتي سبط السيد شرف الدين صاحب المراجعات الذي كانت تربطني به وبالدكتور جابر محمد العطا صداقة وثيقة، وبالدكتور احمد امين صاحب الكتاب قيم التكامل في الإسلام، وفعلا التقينا عرض مبادئ حزب التحرير وفعلا انخرط معهم محمد هادي السبيتي ووصل الى عضو قيادة قطر العراق وكان يحضر اجتماعات الحزب الدورية كل ثلاثة اشهر الى ان ألف النبهاني مؤسس حزب التحرير كتاب الشخصية الاسلامية وتعرض الى واقعة بيعة الغدير وانها ضعيفة الاسناد، ولا دليل ناهض عليها، فحدثت خصومة بين السبيتي والنبهان على اثر مناقشة حادة بينهما كان على اثرها استقالة السبيتي مع ماله من النشاط والحيوية في العمل السياسي الإسلامي.
وفي هذه الاثناء او بعدها وبعد قيام الثورة المصرية على يد الضباط الاحرار من جهة وقيام المد الشيوعي في العراق جاءني السيد الشهيد محمد مهدي الحكيم الى سكني في مدرسة القوام وعرض فكرة انشاء حزب سياسي اسلامي شيعي وقال الضباط الاحرار في مصر ينشؤون دولة ونحن لا نستطيع ذلك؟
بقيت هذه الفكرة تراودنا نحن الاثنان الى بضع سنين وصدفة التقينا في صحن امير المؤمنين، وذكّرني السيد مهدي بالفكرة من جديد وانه قد حان حينها فأرشدته الى السيد محمد باقر الصدر، ولحرصه اي السيد مهدي على ان يكون العمل الاسلامي تحت اشراف مجتهد جامع لشرائط المرجعية تأكد هو بنفسه من اجتهاد السيد الصدر بعدما عرض بعض مؤلفاته وبحوثه على سماحه اية الله الشيخ حسين الحلي وكان استاذا مجتهدا معروفا بعلمه وورعة فأجاز الشيخ صاحب البحوث في الاجتهاد، وقال ان صاحب هذه البحوث مجتهد مطلق التقيت بعدها بالسيد الحكيم وذهبنا سويا الى بيت السيد الصدر وتم تشكيل اول نواة لحزب الدعوة الاسلامية واقترح هو اي السيد الصدر اسم الدعوة الاسلامية على هذا المؤسس الجديد وفعلا تم هذا التأسيس وانخرط فيه بعد ذلك الشباب الرسالي امثال السبيتي، وجابر العطا، والشهيد عبد الصاحب دخيل الذي اعتبره أطهر انسان رأيته، والسيد مرتضى العسكري، والشيخ محمد مهدي الآصفي رحمهم الله، ثم بعد انقلاب البعث المشؤوم في العراق وبعد ملاحقات للدعاة وخروج اكثر قياداته من العراق واعدام مؤسسه وراعيه السيد الصدر والاعدامات التي طالت المنتمين اليه وصل حاله الى ما وصل اليه.
وهناك شبهة تقول ان السيد الشهيد الصدر قد انسحب من دعم حزب الدعوة الاسلامية بعدما طلب منه السيد المرجع الحكيم ذلك الا ان هذا الانسحاب – من وجهة نظري – كان تكتيكيا ولم يكن فعليا فهو لا يزال يفكر في كيفية الولوج في التنظيمات الدولية مع وجود المعسكرين السوفيتي الشرقي والامريكي الغربي، وكان يؤمن انهم لن يتركوننا وشأننا.
وختم السيد الرفاعي حديثه بذكر بعض الطرائف مما تسعفه ذكرياته عن الدكتور احمد امين والسيد الشهيد محمد مهدي الحكيم وآخرون.
يذكر إن مركز الامام الصادق عليه السلام هو من المراكز التخصصية في مدينة النجف الاشرف التي تنشر العلم والمعرفة عن طريق أساتذة الحوزة العلمية والأكاديميين للوصول الى الغاية المنشودة في نشر مبادئ الدين الحنيف.
النهاية