شفقنا-خاص- حاولت الحكومات العربية التي تدور في فلك أمريكا ، وخاصة تلك الثرية منها ، ان تخلق وضعا عربيا جديدا يمكنها من خلاله تسويق صفقة القرن الرامية لتصفية القضية الفلسطينية والى الابد ، الا انها لم تفشل في ايجاد هذا الوضع فحسب ، بل جاءت كل محاولات للوصول الى هذا الوضع بنتائج عكسية بالمرة.
لا نكشف سرا ان قلنا ان الانظمة في السعودية والامارات والبحرين ، كانت من اهم الممولين لمخطط تمرير صفقة القرن ، لما تملكه من امكانيات مادية ضخمة ولدورانها في الفلك الامريكي ، فالمتابع للفضائيات ووسائل الاعلام والصحف والمجلات التابعة والممولة لهذه الانظمة والتي تحتل اكثر من 80 بالمائة من الفضاء الاعلامي العربي ، لا يمكنه الا ان يخرج بنتيجة واحدة مفادها ، ان الهدف الاول والاخير لوسائل الاعلام ومنابر الصحافة هذه ، هو تسويق “اسرائيل” على انها ، ليس فقط “دولة” طبيعية بل حليف وحليف مقرب جدا من العرب ، وان على الفلسطينيين ان يرضوا بما يمن عليهم الرئيس الامريكي دونالد ترامب ، ولا عدو للعرب الا ايران و الشيعة ومحور المقاومة بدءا من حزب الله وانتهاء بحماس.
الرئيس الامريكي ترامب مدفوعا بصهره الصهيوني جاريد كوشنر ، بدا منذ اليوم الاول من دخوله البيت الابيض للترويج لصفقة القرن ، بدأها بنقل السفارة الامريكية الى القدس ، واخراج المدينة المقدسة من المفاوضات على انها مدينة يهودية بالكامل ولا يحق للفلسطينيين والعرب والمسلمين ان يتفاوضوا حولها ، متلقيا الدعم اللامحدود للصفقة من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، الذي خير الفلسطينيين بين القبول بالصفقة وبين ان “يخرسوا” الى الابد.
ترامب راى في قيادة السعودية والامارات للجامعة العربية ، وخروج مصر من المواجهة مع “اسرائيل” و انشغال سورية بالحرب التي فرضتها التحالف الامريكي الصهيوني العربي الرجعي منذ اكثر من سبع سنوات ، وانشغال باقي الدول العربية باوضاعها الاقتصادية الصعبة ، مناسبة لتمرير صفقة القرن وخاصة في عام 2018.
عام 2018 الذي اراده ترامب عاما لبداية تصفية القضية الفلسطينية ، كان عاما لانتصار المحور الذي مازال يرفع لواء القضية الفلسطينية ، وهومحور المقاومة ، فلم يبق الا القليل لتعلن سورية انتصارها الكامل على فلول الظلام ، فقد بدات الانظمة التي مولت الحرب على سورية بالعودة الى دمشق وفتح سفاراتها ، اما المقاومة في فلسطين والشعب الفلسطيني المقاوم ، فصنعت ملاحم مسيرات العودة ، ردا على صفقة القرن ، والتي مازالت تقض مضاجع الصهاينة كل اسبوع ، وحزب الله ، الذي حاول التحالف الامريكي الصهيوني العربي الرجعي ، تلويث سلاحه في حروب طائفية ، للنيل من قدسية هذا السلاح ، خرج منتصرا على التكفيريين ، وراكم تجارب جعلت “اسرائيل” تتوسل المحافل الدولية لكي توقف حزب الله “عند حده” ، في الوقت الذي كانت قبل سنوات تصول وتجول في لبنان دون اكتراث لاحد ، اما ايران فكانت الى جانب الحكومة والجيش السوري من اكبر المنتصرين في الحرب في سوريا والمنطقة ، التي شنها الثلاثي غير المقدس ، امريكا والصهيونية والرجعية العربية ، بعد تجنيد مئات الالاف من التكفيريين من اكثر من 80 بلدا في العالم.
معسكر امريكا ، لم يحصد في عام 2018 الا الهزائم والخيبات ، ترامب محاصر من كل جانب بفضائحه التي اصبحت رائحتها النتنة لا تحتمل ، وبات سيف العزل والاستقالة يقترب من رقبته ، اما رفيقيه بن سلمان ونتنياهو ، فكلاهما في وضع لا يحسد عليه بالمرة فابن سلمان اصبح من الماضي بعد جريمة قتل جمال خاشقجي وهزيمته في اليمن ،اما نتنياهو مطارد كترامب بفضائح مالية وسياسية ، زادت من وقعها تمزيق المقاومة في فلسطين لصورته التي حاول ترويجها خلال السنوات الماضية على انه ضامن امن واستقرار الكيان الصهيوني ، بعد ان امطرت المقاومة المستوطنات الصهيونية بالصواريخ وادخلت الالاف من المستوطنين الى الملاجىء.
رغم هيمنة السعودية والامارات والبحرين وباقي الدول الخليجية الاخرى على 80 بالمائة من الفضاء الاعلامي العربي ، الا ان الانظمة في هذه الدول لم تتمكن من اقناع شعوبها هي ، من ان”اسرائيل” صديق ، وايران ” عدو” ، وحزب الله “ميليشيا” ، وحماس “مغامرين” ، فمازالت تخشى ان تظهر للعلن علاقاتها الوثيقة مع “اسرائيل” .
اما الشعوب العربية الاخرى ، فان ما جرى في سورية من مآسي على يد التحالف الثلاثي الامريكي الصهيوني العربي الرجعي ، جعل هذه الشعوب تتحرر من الحرب النفسية والطائفية التي كانت تشنها فضائيات الفتنة الممولة من السعودية والامارات وقطر ، على هذه الشعوب ، من خلال اشعال نيران الفتنة واعادة الخطاب البعثي الصدامي الخبيث الى الحياة من جديد حول الفرس والمجوس والروافض والنصيرية .
قبل ايام تحدث الاعلامي اللبناني سامي كليب في لقاء معه ، بعد مشاركته في معرض الكتاب الذي اقيم مؤخرا بالجزائر بمناسبة صدور كتابه الجديد “الرحالة… هكذا رأيت العالم” ، عن مدى الحب الذي يكنه الشباب في الجزائر وفي مجمل الدول المغاربية ، للقضية الفلسطينية ولرموز المقاومة ضد الاحتلال “الاسرائيلي” ،واشار الى ان هناك شباب كانوا يضعون ايديهم بيده وعلى كتفه ويقولون نحن نتبرك بك لانك صافحت سماحة السيد حسن نصرالله.
ويقول سامي كليب انه عندما كنت اناقشهم واقول لهم ، كيف تحبون سماحة السيد نصر الله وهو “شيعي” وان ايران تدعمه ، كانوا يقولون ، هذا الوهم قد سقط ، ان من يقفون وراء هذه الخطابات ضحكوا علينا.
وينقل كليب عن اعلاميين وكتاب ومثقفين جزائريين قولهم ، ان الكفر هو اخطر شيء ، الا ان التطبيع مع “اسرائيل” هو اخطر من الكفر ، ولايمكن تحمل المطبع.
*جمال كامل
انتهى