شفقنا-خاص- قبل ايام قليلة جدا اعلن الرئيس الامريكي دونالد ترامب شخصيا انه قرر سحب الجنود الامريكيين من سورية فورا بعد ان تم القضاء نهائيا على “داعش” ، واليوم عاد ترامب نفسه ليعلن شخصيا انه لن يقل انه سيحسب الجنود الامريكيين من سورية فورا ، ولم يقل انه تم القضاء على “داعش” نهائيا.
هذا التقلب في مواقف ترامب من قضايا دولية في غاية الخطورة ، وهذا الارتباك الفاضح في السياسية الخارجية الامريكية في عهد ترامب ، ليس بالشيء الجديد او المستغرب ، فالرجل عبارة عن فوضى تتحرك بكل معنى الكلمة ، ولكن المستغرب والخطير في نفس الوقت ، وهو وجود مثل هذا الشخص على راس ادارة تدعي انها تقود العالم المعقد والمضطرب الذي نعيش فيه.
والشيء الاخطر والاهم من ذلك هو النظام السياسي الامريكي الذي انتج ظاهرة ترامب ، التي تعتبر اكبر تهديد يمكن ان يعرض امن واستقرار العالم للخطر، بشهادة النخب الامريكية ذاتها ،من دون ان يملك هذا النظام السياسي الالية التي يمكن من خلالها وقف عبث ترامب بالعالم والنظام السياسي الامريكي ، وهو عبث لو لم يتم وقفه فانه ينذر بمخاطر لا يحمد عقباها.
الملفت ان اغلب النخب في امريكا ، بدءا من النخب السياسية ، منهم الكثيرون اعضاء في الحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه ترامب ، ومرورا بالنخب الفنية والفكرية ، وانتهاء بالاعلام ، الجميع يصف ترامب بصفات اقلها الاخرق والنزق والمتعجرف والغبي والجاهل ، بينما تعترف كل هذه النخب بعدم مقدرة النظام الامريكي الحالي على عزل ترامب وتخليص امريكا والعالم منه.
الملفت ايضا انه بالاضافة الى صفاته الشخصية ، التي تعتبر أمراضا نفسية، الرجل تطارده فضائح سياسية واخلاقية ومالية ، وهي فضائح يصفها الكثير من الامريكيين بالخيانة والانحراف والكذب والتواطؤ وشراء الذمم والتهرب الضريبي واستغلال المنصب لصالح امبرطوريته المالية، واقامة علاقات شخصية ، قائمة على المصلحة المالية الشخصية ، مع اثرياء الدول الخليجية وعلى راسهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ،وهو ما يفسر وقوفه الشاذ الى جانب الاخير ، رغم توصل وكالة الاستخبارات الامريكية السي اي ايه الى معلومات موثقة تؤكد على انه الشخص الذي اعطى الاوامر بقتل الصحفي جمال خاشقجي وتقطيع جثته واذابتها في الاسيد.
كل تلك الفضائح الى جانب طبيعته الشخصية غير المستقرة ، لم يجد فيها النظام السياسي عنصرا يمكن البناء عليه لوقف ترامب عند حده ، بعد ان جعل امريكا اضحوكة العالم اجمع ، وفي مقدمة هذا العالم ، حلفاء امريكا في اوروبا وحلف الناتو.
رغم محاولات العنصري المتطرف جون بولتون مستشار الامن القومي الامريكي ، و رفيقه وزير خارجية امريكا مايك بومبيو ، للايحاء للراي العام العالمي ان ترامب لم يقصد انه سينسحب فورا من سورية كما انه لم يقصد ان “داعش” انتهت ، بل انه سينسحب ببطء بطريقة لا تسمح ل”داعش” بالعودة مجددا ، الا ان الامر المؤكد هو ان الامريكيين سينسحبون من سورية بأسرع مما هو متصور ، فقرار البقاء في سورية ليس من صلاحيات ترامب او بولتون و بومبيو ، بل من صلاحيات الميدان ، ليس السوري فحسب ، بل ميدان المنطقة برمتها ، والميدان بيد محور المقاومة ، الذي انتصر في العراق وفي سورية واليمن ،وليس امام ترامب وادارته من خيار الا الانسحاب صاغرا ، وكل عمليات التجميل التي يجريها بولتون وبومبيو على قرار الانسحاب ،ليست الا محاولة من اجل التغطية على الهزيمة النكراء التي نزلت بالمشروع الامريكي الصهيوني العربي الرجعي ليس في سورية فحسب بل في المنطقة برمتها ، فاليوم ينسحب من سوريا وغدا من افغانستان وبعد غد من العراق.
ان تخبط ترامب ومن يحيط به من العنصريين والمتطرفين امثال بولتون وبومبيو ، حوّل ادارة ترامب الى ما يشبه السيرك ، مع فارق بسيط بين سيرك ترامب والسيرك التقليدي ،ففي الاخير المهرجون يتعمدون اضحاك الناس ، بيننما مهرجو سيرك ترامب لا يتعمدون ذلك.
*جمال كامل
انتهى