شفقنا- اعتادت النخبة العالمية منذ ما يقرب من 50 عامًا الاجتماع السنوي في منتجع دافوس الجبلي شرق سويسرا، حيث استعد نحو 3 آلاف من الأثرياء، وأصحاب السلطة في العالم للتوجه إلى البلدة الجبلية الصغيرة لمناقشة المشاكل السياسية ومستقبل الاقتصاد العالمي، لكن يبدو أنّ الزخم الذي يحيط بالمؤتمر العالمي لن يشهد مزيدًا من الأضواء هذا العام، خاصة بعدما ألغى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – وكان ضيف الشرف – رحلته وتبعه كل من الرئيس الصيني والفرنسي ورئيسة الوزراء البريطانية ورئيس الوزراء الهندي، وهو ما عكس مخاوف من انسحاب آخرين.
ما هو منتدى دافوس العالمي؟
في عام 1971 أطلق رجل الأعمال الألماني «كلاوس شواب» المنتدى الاقتصادي العالمي كمؤسسة غير ربحية تهدف لتطوير الوضع العالمي عبر لقاءات مفتوحة بين الزعماء والشركات الكبرى بهدف وضع حلول للمشكلات العالقة، بالإضافة لوضع تصورات مسبقة وتوقعات للاقتصاد العالمي.
) وعقب الشهرة التي رافقت «دافوس» أصبح شهر يناير (كانون الثاني) هو موعد ثابت للجميع وأفضل فرصة للقاء الرؤساء ومحافظي البنوك المركزية، ورجال المال في «وول ستريت»، والمنظمين المؤثرين، وأهم السياسيين، وبالرغم الانتقادات التي توجه له باعتبار صلاحياته الواسعة تقتصر على كونه «متجرًا للكلام»، ومجرد حبر على الأوراق تنتهي بعودة الزعماء إلى بلادهم، إلا أنّ الفرصة النادرة التي تجمع هؤلاء في بيئة منعزلة سبق وأن ساهمت في حل مشكلات سياسية عالقة.
في عام 1989 عقدت كوريا الشمالية والجنوبية أول اجتماع على المستوى الوزاري في «دافوس»، وفي العام الماضي التقى رؤساء الوزراء اليونانيون والمقدونيون للمرة الأولى منذ سبع سنوات، لينتهي النزاع بين البلدين حول أحقية الأخيرة لاستخدام اسم «مقدونيا» ضمن خلاف امتد لثلاثة عقود.
وبينما يُدعى جميع زعماء العالم مجانًا – متوقع مشاركة 70 رئيس دولة – لحضور المنتدى الاقتصادي، فإن هناك شروط خاصة للشركات ورجال الأعمال للفوز بفرصة استثنائية لدخول «دافوس»، إذ يُشترط دفع رسوم العضوية التي تبدأ من 60 ألف دولار إلى 600 آلاف دولار والتي تُعرف بـ«الشريك الاستراتيجي»، وتُمكن حاملها من حضور الاجتماعات المُغلقة، بينما تبلغ رسوم الشركات نحو 27 ألف دولار لحضور شخص واحد.
أي الموضوعات سيناقشها الزعماء في دافوس؟
يأتي هذا العام موضوع التغير المناخي في صدارة الموضوعات التي سيناقشها الرؤساء، إذ طلب المنظمون من الدول والشركات التي أكدت حضورها ترتيب أبرز المخاوف المشتركة لديهم قبل انطلاق المنتدى ، وجاء موضوع التغير المناخي على رأس الأولويات، إلا أنّ صحيفة «الجاردين» البريطانية سخرت من موضوع النقاش، إذ كشفت أنّ نحو 1500 طائرة نفاثة خاصة من المتوقع لها أن تصل إلى «دافوس»، في عرضٍ تباه بين الحضور الخاسر الأكبر فيه هو الطبيعة، وهو ما يعكس الاعتقاد السائد الذي يُتهم به المنتدى الاقتصادي بأنه ما يصدر عنه في النهاية مجرد كلام.
وبينما يُرجع المنتدى الاقتصادي العالمي حدوث التغير المناخي، إلى التوترات العالمية في ظل تزايد النزعة القومية والاندفاع نحو الحمائية الاقتصادية، تتزايد المخاوف من قيام البلدان بإدارة ظهورها للتعاون الجدي للتصدي لتغير المناخ مثلما فعلت الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاقية بعد نحو عامين من إقرارها.
على الطاولة أيضًا قضايا تباطؤ الاقتصاد العالمي، ووضع البنوك المركزية السيئ في مواجهة الركود، وقبل أيام من بدأ فاعليات مؤتمر دافوس، أعلن صندوق النقد الدولي تقريره السنوي الذي كشف فيه أن الاقتصاد العالمي ينمو بوتيرة أبطأ مما كان متوقعًا له، وبالرغم من أنه قلل المخاطر على ألمانيا ومنطقة اليورو، إلا أنه يعتبر أن تصاعد التوترات التجارية خطر يحدّق بالجميع.
وعلى الهامش من تلك القضايا الرئيسة، سيعقد المنتدى لقاءات حول أسلحة الدمار الشامل والمخاطر الإلكترونية، بالإضافة إلى الصحة العقلية وبحث المخاوف من تزايد حالات الاكتئاب والقلق، وأن الحكومة لا تتعامل معها بشكل صحيح.
لماذا انسحب الكبار من المنتدى العالمي؟
يشهد العالم أزمة تزامنًا مع عقد «دافوس»، وهو السبب الرئيس الذي أدى لانسحاب الدول التي تمثل أكبر اقتصاديات تِباعًا، فالولايات المتحدة التي تأتي على رأس أقوى اقتصاد عالمي تشهد إغلاقًا حكوميًا للأسبوع الخامس على التوالي في ظل خلاف بين الكونجرس والرئيس الأمريكي الذي يرغب في الحصول على تمويل لبناء الجدار العازل على الحدود الأمريكية مع المكسيك؛ لذا فترامب انسحب من المنتدى الاقتصادي، كما ألغى رحلة الوفد المنوب له أيضًا.
رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، ألغت أيضًا رحلتها أيضًا بعد هزيمة مدوية في تصويت البرلمان على خطتها للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، قبل أن تنجو للمرة الثانية من تصويت سحب الثقة لحكومتها، وهي حاليًا تواجه أزمة قيام الشركات إلغاء أو تأجيل استثماراتها انتظارًا لما سوف يستقر عليه الوضع في النهاية، ولأسباب أكثر خطورة انسحب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التي تشهد بلاده احتجاجات «السترات الصفراء» التي جابت عدة مدن أوروبية ووصل صداها إلى البُلدان العربية، وتفشل الحكومة حتى الآن من الوصول إلى اتفاق مع المتظاهرين الذين يحشتدون في الشوارع منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وبسبب تسجيل ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى أبطأ معدل نمو له منذ 30 عامًا، لن يحضر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، منتدى «دافوس»، كما أن رئيس الوزراء الهندي الذي فوّت فرصة الحضور، كانت له أسباب تمثلت في انشغاله بالانتخابات البرلمانية التي ينافس فيها على الفوز بولاية ثانية.
واللافت أن المنتدى الاقتصادي لا زال يسجل كل مرة فشله في قراءة المستقبل، وهو الهدف الذي يجتمع القادة من أجله، ففي دافوس 2016، لم يتوقعوا محاولات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما أنهم استبعدوا فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والرئيس الأمريكي غير المرغوب فيه، حضر دافوس 2017 وقام بعدها بتخفيض الضرائب في محاولة لكسر الركود العالمي، لكنه ما لبث أن انسحب من اتفاقية باريس للمناخ، كما دعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفي دافوس 2018 رفع شعار «أمريكا أولًا»، لتبدأ بعدها الحرب التجارية التي أطلقها على الصين، بالإضافة إلى فرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي ، ثم هدد بتدمير اقتصاد تركيا، وانسحب من الاتفاق النووي مع إيران، واستأنف فرض العقوبات.
وبالرغم من كل الإخفاقات التي يواجهها دافوس في ظل الزخم الإعلامي الذي يُحيط به كل عام، إلا أنّ البعض لازال يأمل فيه باعتباره فرصة حقيقة لإنعاش الاقتصاد المُتأزم في ظل تقارير صندوق النقد، ويعتبر كلاوس شواب مؤسس المنتدى العاملي أنّ العولمة تنتج الرابحين والخاسرين، في إشارة إلى أنّ الجميع يختار مصالحه أولًا متخطيًا الهدف العام الذين من أجله يلتقي الزعماء.
النهایة