خاص شفقنا-كتب الصحفي الإيراني احمد زيد آبادي مقالاً حول الهجوم التركي الأخير على سوريا جاء فيها: “تعدّ الحرب السورية من أكثر الأزمات تعقيداً التي شهدتها العلاقات الدولية في العصر الراهن، ففي هذا البلد تحالفت الفصائل السياسية والدينية والقومية بمختلف أشكالها مع دولة أجنبية ما وتحارب بعضها البعض ومن جهة أخرى تقوم دول المنطقة إلى جانب بعض القوى العالمية مباشرة أو عبر الدعم المالي والعسكري للفصائل الحليفة لها بالتدخل في هذا البلد.
إن زيادة عدد الأطراف الداخلية والخارجية في الازمة سورية بلغت درجة جعلت المعادلة السياسية والعسكرية السورية لغزاً يستحيل حله، في الحقيقة هناك تضارب مصالح اللاعبين في الداخل والخارج إذ لا يمكن لأي طرف التمييز بين خطوط سياسته عن المنافسين والمعارضين له بدقة.
على سبيل المثال يبدو أن روسيا وتركيا وإيران حلفاء في سوريا لكن تبنيها المصالح المعارضة لبعضها البعض يؤدي إلى التنافس بينها، إضافة إلى محاولة إخراج الآخر من الساحة، هذه الحالة تصدق على أمريكا وأوروبا والسعودية والإمارات وقطر والأردن والعراق وإسرائيل ايضاً، بين هذا وذاك لتركيا حالة خاصة بسبب نطاق تدخلها في سوريا وتأثير هذا الأمر على القضايا الأمنية.
فتركيا وفي إطار حلف الناتو تعد حليفاً عسكرياً لأمريكا وتربطها علاقات وطيدة بروسيا وفي نفس الوقت تعارض حكم بشار الأسد والفصائل الكردية السورية بشدة كما تدافع عن القوى الإسلامية وخاصة تيار إخوان المسلمين في سوريا، فمن الطبيعي إن تحقيق كل تلك القضايا يعد أمراً صعباً ويحدث تناقضات كثيرة لحكومة اردوغان وعلاقاتها بالآخرين.
فضلاً عن هذا تصر تركيا على قضية واحدة وهي الحؤول دون تكوين كيان سياسي كردي في شمال سوريا إذ يرى أردوغان بأن هذا الكيان يمكن أن يشكل قاعدة لحزب العمال الكردي في تركيا وبالتالي تهديداً لوحدة الأراضي التركية.
هذا وأن الكرد في سوريا يعدون حلفاء لأمريكا في حربها على داعش ولهذا أصبح هدف تركيا في طردهم من شمال سوريا أمرا متناقضاً لأمريكا، فأمريكا تحاول وعبر إجراء المفاوضات البحث عن سبيل لحل هذا التناقض. لكنها لم تعثر على حل له. وفي نهاية المطاف قررت إدارة ترامب ترك الجانبين وشأنهما شريطة عدم خروج الهجوم التركي على شمال سوريا عن الأطر المقبولة لدى الإدارة الأمريكية-شروط لم تكن واضحة المعالم-.
إن قرار ترامب الأخير واجه انتقادات كثيرة أطلقها السياسيون الأمريكيون ومنهم أشخاص ذي نفوذ في الحزب الجمهوري، إذ اتهموا ترامب بأن مهد الطريق لهيمنة إيران وروسيا على سورية بعد قراره بانسحاب أمريكا من شمال سوريا عسكرياً.
قولهم هذا لا يبدو مبرراً ذلك أنه من المستبعد أن تساعد الهيمنة العسكرية لتركيا على أجزاء من شمال سورية وتوطين اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا في شمال سورية على توسيع نطاق نفوذ روسيا وإيران في سوريا وإنني أرى بأن هذا الأمر يأتي في النقيض من ذلك الادعاء. مع هذا أن ترك الفصائل الكردية الحليفة لأمريكا في مواجهة الهجوم العسكري لتركيا يمكن أن يعد كعب أخيل قرار ترامب.
أما ترامب لا يرى نفسه ملزماً بالدفاع عن كرد سوريا مقابل مواجهة حليف مثل تركيا أو خسارته، إلى جانب هذا إنه يرى بأن الحرب السورية ليست إلا حرباً عبثية ولا يمكن تبرير مقتل الجنود الأمريكيين. كأن ترامب يرى بأن مشكلة داعش والنفوذ الإيراني يمثلان خطرين جوهريين على المصالح الأمريكية في سوريا إذ يرى بأنه تم القضاء على داعش وبالنسبة للنفوذ الإيراني فعلى الدول الأخرى في الأزمة السورية وخاصة إسرائيل أن تقوم بالحد منه، ما عدى هذا يبدو أن أي حدث آخر في سوريا لا يهم ترامب ومن منظاره لا يجب أن تتدخل أمريكا في مثل هذه الصراعات بوحي من دور أمريكا في المجتمع الدولي.
بين هذا وذاك لا يريد ترامب أداء دور جوهري في المعادلة السورية، إن تركيزه منصب على حل المشكلة عبر روسيا والسعودية ودول أخرى، لهذا قد يعد إصرار بوتين على إعداد الدستور السوري الجديد قُبيل زيارته للسعودية أهم من تعامل الإدارة الأمريكية في تحديد مصير سوريا.”
النهاية