شفقنا – بخلاف إعلان سابق الثلاثاء، سارع يونثان أوريخ الناطق بلسان مستشار رئيس وزراء الاحتلال الأربعاء لشطب تغريدة قال فيها إن الحكومة ستصادق على إحالة السيادة الإسرائيلية على كل المستوطنات يوم الأحد القادم.
ونقلت الإذاعة العبرية عن مصادر سياسية محلية عليا قولها إن التصويت داخل الحكومة سيتم إرجاؤه، وهذا ما عبر عنه مستشار الرئيس الأمريكي جارد كوشنر الذي استبعد المصادقة على إحالة السيادة في جلسة الحكومة الإسرائيلية القادمة.
وفي تصريحات لشبكة “سي إن إن” قال كوشنر إن إسرائيل لن تصادق على إحالة سيادتها على منطقة الأغوار وعلى المستوطنات في جلستها القادمة. وتابع: “على الأقل أنا لا أعرف بذلك”.
وتابع كوشنر مشيرا لمعنى “صفقة القرن” الواقع أن إسرائيل موجودة هناك وهي لن تتجه للمغادرة، وأنا لا أنظر على العالم كما كان قبل 1967 بل أنظر له كما هو في 2020″. متبنيا الرواية الإسرائيلية بهذا المضمار، زعم أن “صفقة القرن” هي صفقة ممتازة وأنه في حال رفضها الفلسطينيون فهم يفوتون فرصة إضافية كما فوتوا فرصا كثيرة حتى الآن.
وكان مستشار رئيس حكومة الاحتلال يونثان أوريخ قد نشر التغريدة المذكورة وما لبث أن شطبها بعد ساعات. وكان نتنياهو قد اجتمع مع قادة المستوطنات الذين يتواجدون في واشنطن، وقال لهم إن رجال أمن فلسطينيين لن يكون لهم أي حضور في محيط المستوطنات النائية التي ستبقى جزرا في الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن نتنياهو قوله لهم إن عمليات البناء الاستيطاني في السنوات الأربع القادمة ستكون متاحة فقط داخل كل مستوطنة لا خارج نطاقها ودون بناء مستوطنات جديدة. وطلب رئيس مجلس المستوطنات يوسي دغان من نتنياهو أن يطرح إحالة السيادة الإسرائيلية على المستوطنات والأغوار في جلسة الحكومة القادمة يوم الأحد القريب.
وحسب مصادر الإذاعة الإسرائيلية، فقد قال نتنياهو لدغان إن “هناك حاجة لوقت تقني “من أجل إعداد الخرائط الخاصة بالموضوع مرجحا أن تكون المصادقة على السيادة على دفعتين. وتابع نتنياهو: “في البداية سنطرح على مائدة الحكومة مصادقتها على قرار إحالة القانون الإسرائيلي على الأغوار وعلى كل المستوطنات وبعد عمليات تحضير من قبل هيئة خاصة وبالتنسيق مع الولايات المتحدة سنطرح للمصادقة على فرض القانون الإسرائيلي على مناطق أخرى وهذا سيستغرق القليل من الوقت وسنلغي الحكم العسكري على نصف مليون إسرائيلي في المستوطنات بعد مصادقة الحكومة، وبعد ذلك ستزال كل التقييدات على البناء وعلى قضايا أخرى كانت تحتاج لمصادقة أمريكية مسبقة.
دويلة فلسطينية
وقال نتنياهو أيضا إن إسرائيل وفق “صفقة القرن” ستبقى تسيطر أمنيا على كل الضفة الغربية المحتلة، ولن يكون هناك مطار فلسطيني وسيمنحون رصيفا خاصا بهم في ميناءي أسدود وحيفا على البحر المتوسط، أما معابر الحدود فستبقى هي الأخرى بيد الاحتلال. وتابع: “إسرائيل تحظى باعتراف أمريكي بالحصول على مناطق إضافية في الضفة الغربية تشمل أماكن احتياطية لتطوير المستوطنات وهذا الاعتراف الأمريكي سيمنع أي عقوبات دولية على إسرائيل في حالة الضم”.
من جانبه وكما كان متوقعا، قال السفير الأمريكي في القدس المحتلة ديفيد فريدمان، إنه بات مسموحا لإسرائيل بضم المستوطنات في أي وقت تريد، زاعما أن الفلسطينيين سيتمتعون مستقبلا بأراض في النقب، وذلك في إشارة لمناطق صحراوية جنوب شرقي قطاع غزة هي أراضي الخلصة وعوجا الحفير ستمنح للجانب الفلسطيني وفق الصفقة بدل المستوطنات.
وبدا فريدمان أكثر اندفاعا بقوله لصحافيين إسرائيليين في واشنطن، إنه “على إسرائيل عدم الانتظار في ضم المستوطنات”. وقال مصدر سياسي محلي لموقع “واي نت ” الإسرائيلي، إن الحكومة لن تستخدم مصطلح “الضم” بل “إحالة السيادة” بدعوى أن المناطق المستهدفة لا تتبع لدولة أخرى كما هو الحال مع هضبة الجولان. وشدد المصدر المذكور على أن فكرة مبادلة المستوطنات بمنطقة وادي عارة داخل أراضي 48 تم تداولها خلال المحادثات الأمريكية – الإسرائيلية في حال تمت موافقة فلسطينية، منوها لوجود قضايا كثيرة تحتاج التوضيح وأن نتنياهو لم يحدد موقفه النهائي بعد من هذه القضية لكنه لا يستبعد فكرة المبادلة.
فرصة تاريخية
ويرجح مراقبون إسرائيليون أن يحاول نتنياهو فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات قبيل الانتخابات العامة في 2 مارس/ آذار القادم لجني مكاسب انتخابية، ويتساءلون عن موقف المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت الجهة الوحيدة القادرة على منع ذلك دستورياً. يشار إلى أن مندلبليت كان قد تطرق لـ”صفقة القرن” يوم الثلاثاء الماضي خلال مشاركته في يوم دراسي لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب. فقال إنه ينبغي مساعدة الحكومة لتطبيق سياساتها ولكن مع الحرص على كبح جماحها كونها حكومة مؤقتة. وتابع: “سنصغي ونقرر”.
وكشف وزير الأمن المستوطن نفتالي بينيت أنه أمر بتشكيل طاقم خاص مهمته العمل على فرض السيادة الإسرائيلية على الأغوار، معتبرا “صفقة القرن” كبقية رموز المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة “فرصة سياسية هي الأكبر منذ 50 عاما”.
ورجح وزير السياحة المقرب من نتنياهو ويرافقه في واشنطن ياريف لفين أن لا تصادق حكومة الاحتلال على ضم المستوطنات في جلستها الأحد المقبل لأنها تحتاج لترتيبات تقنية تمهيدية من ضمنها طرح الموضوع على المستشار القضائي للحكومة. وتابع: “سيتم ذلك قبيل الانتخابات”.
ليست خطة سلام
ومقابل مظاهر الابتهاج في إسرائيل خاصة لدى أوساط اليمين بإطلاق “صفقة القرن” تحذر أوساط أخرى من خطورتها على إسرائيل كونها تعقد وتكرّس واقع الصراع، وتبعد فكرة السلام، نافين كونها مبادرة سلام.
ودعا رئيس حزب “العمل” عمير بيرتس زعيم كتلة “أزرق- أبيض” بيني غانتس لوقف التلعثم، والمبادرة للتأكيد أنه يعارض خطوات أحادية الجانب. من جانبه حذر قائد الجناح الأمني- السياسي في وزارة الأمن ومدير وحدة التخطيط في الاستخبارات العسكرية الجنرال بالاحتياط عاموس غلعاد لإذاعة جيش الاحتلال من خطورة “صفقة القرن” على إسرائيل. موضحا أنها ” تدعى خطة سلام لكنه لم يجد فيها خطوة سلام واحدة يبنى عليها لبناء سلام”.
وتابع: “السؤال أين الطرف الآخر الذي تريد أن تصنع معه السلام؟ أم أن الحديث يدور عن ضم ينتج واقعا جديدا لن تكون فيها مساعي سلام لأنه عندئذ لن تجد فلسطينيا يؤيدها. كذلك الحال في الموقف العربي فردود الدول العربية التي يفترض أنها مؤيدة للصفقة تتراوح بين دعم خفيف جدا ولفظي وهذا ليس دعما. ممكن أن تطرح واشنطن خطتها دون أن يحدث شيء على أرض الواقع ودون تطبيع حقيقي وتنسيق أمني أيضا”.
نتيجة خطيرة جدا
وردا على سؤال حول أي تعديلات كان سيضيفها هو على “صفقة القرن” قال عاموس غلعاد: “ليس تغييرات بل بناء خطة ربما يكون لها احتمال برعاية واشنطن مع عدة أطراف تتباحثها معا على الأقل. ما الذي سيحدث مستقبلا؟ بعد أسبوعين لن يحدث شيء في الواقع. في حال ضممنا الأغوار سنمس بالسلام مع الأردن ونحن هناك منذ عقود ولم نستثمر بها كما يجب، وهناك عدد قليل من الإسرائيليين وإذن نبقى مع تصريحات تزيد الضغط الثقيل على الأردن علما أنها هي عمقنا الاستراتيجي الحيوي ونحن بأيدينا نقوم بزعزعة ذلك وهذا الوضع خطير جدا”.
“هذا ليس أبدا يوم عيد إذن؟” ردا على هذا السؤال قال غلعاد جازما إن “هذا يوم عيد لأشخاص معينين بل سنسدد ثمنا باهظا عليه. أعتقد أن النتيجة قاسية جدا.. ستأتي على ما تبقى من احتمالات السلام وهي ضئيلة أصلا. قلق جدا من الوضع في الأردن حيث الضغوط الداخلية هناك كبيرة. هذه ليست خطة سلام بل ضم وخطوات أحادية تبعدنا فعليا من فرصة للسلام وستترتب على ذلك تبعات خطيرة جدا بالمنظور البعيد”.
وكانت أوساط سياسية واسعة في إسرائيل قد أبدت ابتهاجها بصفقة ترامب التي فاقت أحلام نتنياهو واليمين، وكشفت الإذاعة العامة أن صحافيين إسرائيليين كانوا يرافقون نتنياهو في زيارة البيت الأبيض قد رقصوا ابتهاجا بها بعد انتهاء الاحتفالية الخاصة بالكشف عنها.
من الجهة المعاكسة تساءل مدير عام منظمة “بتسيلم” غلعاد إلعاد بالقول “ماذا تغير الآن بعد الكشف عن صفقة القرن؟”. لافتا إلى أن الواقع في الميدان يمتاز بسيطرة إسرائيلية كاملة على الأرض وعلى البشر بين البحر وبين النهر، واقع الدولة الواحدة غير الديموقراطية بجوهرها. معتبرا أن التغيير المركزي يكمن في أن إسرائيل وإدارة ترامب يقومون بخطوة إضافية نحو توضيح نواياهم بتكريس هذا الواقع للأبد، وضوحٌ يقلص فعلا الهوة بين الوضع الراهن وبين طريقة وصفه وسط محاولات غسله وتبييضه.
وفي معرض نفيه لعدم حدوث تغيير، قال إلعاد في بيان، إن 14 مليون شخص سيبقون يعيشون هنا غدا بين البحر وبين النهر، خمسة ملايين منهم فلسطينيون دون حقوق سياسية كافتهم يتبعون لحكومة تواصل فرض تفوق شعب على شعب آخر وسط دوس فظ غير متوقف على حقوقهم.
وتابع: “ماذا عن المستقبل؟ ما يقترح الآن على الفلسطينيين ليس حقوقا ولا دولة بل حالة دائمة من نظام الفصل العنصري أبرتهايد واسم الغلاف الخارجي الذي يتم تسويقه الآن لن يمحو هذا العار أو طمس الحقائق. من هذه الحقائق الموجعة سينبت أمل بمستقبل واعد وحيد وحقيقي هو السلام، مستقبل لا يستند على تفوق لهؤلاء وتنكيل بهؤلاء بل بمساواة كاملة وحرية وكرامة وحقوق للجميع”.
النهایة