خاص شفقنا-الاحتجاجات التي تشهدها الكثير من المدن الأمريكية قد تترك تأثيرها على المستقبل السياسي للإدارة الراهنة من جانبين، الجانب الأول هو إثارة قضية العنصرية والتمييز العنصري في أمريكا، لأن المقتول من السود، والكثير من المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع يطالبون وفضلاً عن معالجة قضية عنف الشرطة والتمييز العنصري؛ بقضايا كبرى مثل العدالة الاجتماعية، فان الأقليات العرقية في أمريكا لها تأثير كبير على الساحة السياسية، وهناك الكثير من الناخبين ينتمون إلى أقليات مختلفة، العرقية والدينية مثلاً، إذ غالباً ما يميلون إلى الديمقراطيين، وان زيادة نسبة السخط الاجتماعي، يمكن ان تجعل تلك الأقليات تشارك بنسبة كبيرة في الإنتخابات، هذا وان ما يقارب عشرين بالمائة من الناخبين السود يصوتون للجمهوريين، لكن ارتفاع وتيرة الاحتجاجات يمكن ان يؤدي إلى عدم مشاركتهم في الإنتخابات أو التصويت للحزب الآخر، ولا يمكن غض الطرف عن هذا الأمر لأن لهم تأثير كبير في بعض الولايات ومنها فلوريدا.
ان الأسلوب الذي ينتهجه ترامب في التعامل مع هذه القضية، يمكن ان يجعل الكثير من الناخبين يعزفون عن حزبه، فان ما ينشره في حسابه في تويتر يصب الزيت على النار، وخاصة تهديده باستخدام القبضة الحديدية في مواجهة المتظاهرين، هذه القضية تعود إلى منهج إدارة الأزمة لدى ترامب، وانها القضية الثانية التي يمكنها ان تؤثر على مستقبل ترامب السياسي، ان ترامب وطوال فترة رئاسته واجه أزمتين مهمتين، الأولى تفشي كورونا إذ وجه المعارضون له انتقادات حادة، وبالتزامن مع هذه الأزمة انه يواجه اليوم أزمة الاحتجاجات، إذ بدأت في بداية أمرها سلمياً لكنها انتهجت العنف والنهب، ومن الواضح بان ظهور العنف يعد من نتائج الحكومة المركزية وخاصة فيما يتعلق بتهديدات ترامب.
ان استمرارية هذه التطورات تمثل اختباراً مصيرياً لإدارة ترامب، فهل يتمكن من إدارتها هذه الأزمة الوطنية أم لا؟ ما يظهر حتى اليوم ليس إلّا عجزه في إدارتها، على غرار أزمة تفشي جائحة كورونا، وما فعله ترامب طيلة هذه الفترة هو اللجوء إلى تويتر ولم يقدم إستراتيجية شاملة لإدارة الأزمة، أزمة تترك تأثيرها الكبير في الإنتخابات القادمة، والاختبار الحقيقي هو: هل يمكن لترامب إدارة هذه الأزمة وإعادة الاستقرار إلى المجتمع الأمريكي أم لا.
أخيراً وليس آخراً فان العنصرية والتمييز العنصري ليس بقضية وليدة اليوم في المجتمع الأمريكي، إذ تضرب بجذورها حتى قبل إنشاء الولايات المتحدة، أي في فترة بدأ المهاجرون بارتكاب المجازر بحق السكان الرئيسيين في أمريكا، وتحول التمييز العنصري إلى ثقافة جزء كبير من سكان أمريكا، وان شهد الأمر تغييرات عدة في العقود الماضية، لكنه مازال يشكل جزءاً جوهرياً من ثقافة المجتمع الأمريكي فلا اختيار أوباما رئيساً للبلاد يمكنه حل هذه المشكلة ولا يملك ترامب العصا السحرية للقضاء على هذه المعضلة، بل الأمر يتطلب إحداث تغيير ثقافي عميق في بنية المجتمع.
صحيفة اعتماد
النهاية