خاص شفقنا-نظراً لتاريخها الاستعماري في الشرق الأوسط، لطالما عدّت فرنسا هذه المنطقة كإحدى مناطق نفوذها التقليدية وحاولت لعب دور مؤثر في التطورات السياسية والاجتماعية في المنطقة. تعرض وجود فرنسا ونفوذها في المنطقة لتحديات خلال العقد الماضي. ومنها بعد ظهور تيار المقاومة في لبنان ضد إسرائيل والجماعات التكفيرية في العراق وسوريا، إذ واجه نفوذها تحديات جدية مما أدى إلى عدم الثقة بالإجراءات الفرنسية.
كان من الأسباب الرئيسية لتصاعد التوترات في سوريا، المتاخمة للعراق ولبنان، دعم فرنسا للجماعات التكفيرية في سوريا، والتي لم تظهر عواقبها الكارثية في جميع أنحاء سوريا فحسب، بل في جيرانها العراق ولبنان. كان مسيحيو المنطقة، وهم الحلفاء الرئيسيين لفرنسا في الشرق الأوسط، وخاصة في لبنان، أحد الأهداف الرئيسية للعنف والجرائم والعمليات الإرهابية التي تقوم بها الجماعات التكفيرية المدعومة بشكل مباشر أو غير مباشر من فرنسا. زاد هذا النهج من عدم ثقة المسيحيين في الشرق الأوسط تجاه باريس، وفقد المسيحيون، الذين اعتبرتهم باريس كأدوات للتأثير في سياسات الشرق الأوسط، ثقتهم تدريجياً في السياسة الفرنسية. لكن نظراً لتهميش الجماعات الإرهابية وهزيمة داعش، بذلت فرنسا في الأشهر الأخيرة جهوداً لزيادة نفوذها في المنطقة، كما استفاد ماكرون استفادة كاملة من الانفجار المدمر في بيروت.
تريد فرنسا بأن تكون أكثر نفوذاً في العملية السياسية اللبنانية مما كانت عليه سابقاً. يختلف نهج ماكرون البراغماتي تجاه القضايا اللبنانية الحالية عن السياسات السابقة لفرنسا والحكومات الغربية. ومن سماته أخذ الواقع الميداني بعين الاعتبار، واعتماد سياسة واقعية.
يمكن النظر إلى زيارة ماكرون إلى العراق بعد لبنان من هذا المنظار. بالنظر إلى التحديات التي تواجه حكومة الكاظمي في العراق، زادت بغداد من حاجتها إلى توثيق العلاقات مع الغرب وأوروبا. يحاول ماكرون استغلال الفراغ الذي أحدثه إصرار أمريكا على سحب قواتها من العراق. ويريد كقوة غربية، كان لها وجود تاريخي في منطقة غرب آسيا، لعب دور أكثر جدية في التطورات المستقبلية العراقية.
يعتمد مدى نجاح باريس في هذا النهج إلى حد كبير على الانتخابات الأمريكية ونتائجها. إذ سوف يلعب رد فعل الإدارة الأمريكية القادمة على التحركات الدبلوماسية الفرنسية في المنطقة، دوراً حاسماً في نجاح فرنسا في العودة كقوة مؤثرة في المنطقة. يجب ألا ننسى أن موقف حكومة ماكرون من شرعية حزب الله وكذلك من الاتفاق النووي لا يتماشى مع رغبات أمريكا والكيان الصهيوني.
يتضح في قادم الأيام بانه إلى أي مدى يمكن لفرنسا أن تخلق توازناً في علاقاتها بأمريكا وإسرائيل ووجودها في المنطقة، بالنظر إلى الواقع الميداني. داخلياً ان قاعدة ماكرون الاجتماعية مهتزة. إذ تسببت آثار تفشي كورونا وتراجع النمو الاقتصادي للبلاد في جعل مكانة ماكرون أضعف من أي وقت مضى. نتيجة لذلك، يعتمد استمرار السياسة الخارجية لحكومة ماكرون على استمرار منصبه كرئيس لفرنسا.
صحيفة اعتماد
النهاية