خاص شفقنا-اليوم إذ يستعد العراق لإجراء الإنتخابات البرلمانية المبكرة، تظهر الكثير من التكهنات حول التحالف السياسي بين مقتدى الصدر ومسعود البارزاني، الهادف إلى تولي الصدر منصب رئاسة الوزراء وتولي الحزب الديمقراطية الكردستاني منصب رئاسة الجمهورية.
مع ان التقارب بين البارزاني والصدر وبسبب العلاقة التاريخية بينهما، ليس بمستبعد، خاصة وأنهما في عام 2012 وصلا مرحلة التحالف السياسي، لكن اليوم وفقاً لما نشر، فان هناك اتفاقاً حصل بين الجانبين، لكن الحقيقة هي ان مقاربة الاثنين الشمولية والتسلطية، لا تسمح بان يؤدي التقارب عملياً إلى تأسيس تحالف قبل الإنتخابات. وكما أكد ممثل عن تحالف سائرون محمود الكعبي، بأنه من المبكر الحديث عن تحالف بين الصدر والبارزاني قبل الإنتخابات، وحتى لو حصل هذا، فانه لن يستمر، كما حدث قبل تسع سنوات، إذ انتهى تكوين التحالف بالفشل.
على أي حال اثبت تيار الصدر وتحالف سائرون بأنه يتمتع بنفوذ كبير في أوساط قسم كبير من المجتمع العراقي، ومن جهة أخرى تحوّل مسعود البارزاني وحزبه إلى القوة الوحيدة في إقليم كردستان، إذ يسيطر على كل الأمور في الإقليم، على هذا يتمتع كل منهما بنفوذ وسلطة، وفي حال تكوين التحالف، ليس من المستبعد تحقيق الفوز في الإنتخابات، غير ان إدارة المناصب، يقضي على هذا التحالف الذي قد يرى النور، ذلك ان الجانبين لا يتحملان الآخر في عملية توازن القوى، ولحد الآن يمكن ان نعرف من خلال تغريداته على تويتر بان الصدر يطمح للوصول إلى أهم منصب تنفيذي في البلاد، على هذا فان حرب السلطة بين البارزاني والصدر ليس بسيناريو مستبعد.
في بلد تشكل معضلة تعدد القوميات والطوائف الدينية والانتماءات السياسية، أهم تحدي لتنمية العراق في كافة المجالات، يجب ان يشعر المرء بالقلق من ان إقامة الإنتخابات وبدلاً من تنمية الديمقراطية ومأسسة خطاب القانون، يمكن ان تمثل تهديداً لسيطرة بعض الأحزاب والتيارات على السلطة، كما حدث في الإنتخابات السابقة وجعلت العراق يمر بفترة صعبة.
اليوم العراق إذ ينوي إجراء انتخابات مبكرة بعد إراقة الكثير من الدماء في الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد طيلة السنتين المنصرمتين، فان ما يثير القلق هو تكرار نفس الأحداث في الفترة المقبلة. على هذا لو لم تسر الأمور على منوالها في هذه العملية الناقصة وغير المكتملة الناجمة عن عدم مأسسة خطاب الديمقراطية، فجيب القيام بعمليات كبرى، وهي تكوين قوائم شاملة تضم بين دفتيها كل القوميات والأديان والطوائف الدينية العراقية، بالحفاظ على حقوقها السياسية والمدنية.
من هذا المنظار يجب النظر إلى مساعي الصدر والبارزاني كونها خطوة حميدة في سبيل تأسيس تحالف شامل، لكن يبدو أنهما لا يمكنهما فتح الطريق لتأسيس قائمة وطنية شاملة، بسبب الفوارق السياسية المختلفة والمتناقضة، وفي هذا المجال شاهدنا كيف تعامل الصدر مع الأحزاب الأخرى ضمن تحالف سائرون، ومنها الحزب الشيوعي العراقي وهو من أهم التيارات المنتمية إلى تحالف سائرون، إذ قلل علاقته بالتحالف بعد الانتقادات التي وجهها له الصدر. ومن هنا نرى بان النزعة الشمولية وسجل التعايش السلمي السياسي للصدر مع الأحزاب الأخرى، تبين بأنه ليس بحليف يمكن الوثوق به، كما ان سجل البارزاني في السنوات الأخيرة تبين بأنه لن يكن بالجار الذي يمكن الوثوق به. إضافة إلى هذا حالت المقاربات القومية والطائفية دون تأسيس قوائم انتخابية شاملة، وخاصة ان الفجوات الاجتماعية والسياسية بين القوميات والطوائف العراقية نفسها جعلت الكرد والسنة والشيعة ينقسمون إلى تيارات وأحزاب مختلفة، ناهيك عن تكوين تحالف مختلف تماماً بين الكرد والعرب الشيعة.
في ظل هذه الحقائق ومع ان تعدد الأحزاب والتيارات السياسية تشكل قضية إيجابية بحد ذاتها، في تطور الخطاب السياسي والمدني في مختلف البلدان، لكن عملياً حوّل العراق إلى بلد متشعب، تدار كل زاوية منه على يد شخص أو تيار أو حزب أو فئة، على هذا وإذا ما تبنينا نظرة واقعية، فلا يمكن عقد الآمال كثيراً على القوائم الوطنية الشاملة التي تشكل قبل الإنتخابات المبكرة، وإذا ضربنا نموذج الصدر-البارزاني كمثال، فانه ليس إلا مشروع فاشل مسبقاً. لكن مع هذا، إذا كان العراقيون لا يريدون رؤية تكرار التجارب المريرة قبل أربع سنوات، فلا خيار أمامهم سوى الانخراط في العملية السياسية والتفاعل بين جميع القوميات والطوائف بغية تكوين قوائم انتخابية وطنية شاملة. وهكذا فإن تشكيل قوائم وطنية شاملة هو علاج لعدم النضوج السياسي في العراق. خاصة أنه في الانتخابات السابقة، كلما قاطعت قومية أو تيار الانتخابات في العراق، منحت حقها ونصيبها من التواجد في الساحة للآخرين.
صحيفة شرق
النهاية