شفقنا-خاص- قبل عشرين عاما، وتحديدا في 7 تشرين الاول اكتوبر من عام 2001، غزت امريكا افغانستان، وخلال اسابيع قليلة فقط من عملية “الحرية الدائمة”، تمكنت القوات الامريكية الغازية من اسقاط نظام طالبان، الذي كان يحكم افغانستان منذ عام 1996.
امريكا كانت تعتقد، انها ومن خلال السيطرة على افغانستان، وتحويلها الى قاعدة للانطلاق نحو مناطق اخرى، ستفرض سيطرتها على منطقة الشرق الاوسط باكملها، وصولا الى محاصرة ايران، بهدف الضغط عليها، لتغيير سياستها، بالشكل الذي ينسجم مع المصالح الامريكية، او تغيير النظام في ايران، في حال واصل نهجه في مناهضة السياسة الامريكية.
اللافت ان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش، خاطب الشعب الامريكي في 7 تشرين الاول اكتوبر في 2001، من غرفة المعاهدات في البيت الأبيض، معلنا بدء الحرب على أفغانستان، يأتي الرئيس الامريكي الحالي جو بايدن بعد 20 عاما، ليعلن في شهر نيسان/ أبريل 2021، ومن نفس الغرفة في البيت الابيض، عن انسحاب القوات الامريكية من افغانستان بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
قرار بايدن بالانسحاب من افغانستان، هو في الحقيقة “إقرار بالهزيمة”، فأمريكا لم حقق نصرا في افغانستان، بل على العكس تماما، فهي بعد 20 عاما من تواجدها هناك، لم تقض على حركة طالبان، وهو هدف رئيسي للغزو، كما مهدت الارضية لظهور جماعات اخطر واكثر تطرفا من طالبان في افغانستان، مثل جماعة “حقاني” و “داعش”. كما انها ستترك افغانستان والحكومة الافغانية في كابول مهددة من قبل طالبان، التي مازالت تصر على تولي السلطة حتى ولو بالقوة.
بايدن، الذي كان من اهم الشخصيات الامريكية المؤثرة، التي شجعت على غزو افغانستان والعراق، هو نفسه قرر ان ينسحب من افغانستان دون نصر، تحت ذريعة التفرغ لمواجهة التهديدين الروسي والصيني، وبناء الامة الامريكية!!.
يتفق جميع المراقبين على ان امريكا ما كانت لتتخيل يوما، ان قرار خروجها من افغانستان سيكون اصعب من قرار دخولها الى هذا البلد، فامريكا ستترك افغانستان، والاوضاع في هذا البلد اكثر تعقيدا عندما دخلت اليه، فقد تضاعفت زراعة وتجارة المخدرات، كما طالت البطالة اكثر من نصف سكان البلد، فيما وصل سطح الفقر الى معدلات قياسية، والاهم من كل هذا وذاك، تحولت طالبان لدى قطاعات واسعة الى حركة مقاومة للمحتل الامريكي .
انسحاب امريكا من افغانستان من دون تحقيق نصر، اكد ما هو مؤكد، من ان الشعوب مهما كانت ضعيفة ماديا وتسليحيا، الا انها لن ترضخ للمحتل، وسوف تبقى تقاومه كلما سنحت الفرصة.
عندما نقول ان الذي قاوم المحتل الامريكي هو الشعب الافغاني، وليس حركة طالبان، فمعنى ذلك ان طالبان ومهما بلغت قوتها لا يمكن ان تفعل شيئا، من دون الشعب الافغاني، فالذي يرفض وجود المحتل هو الشعب الافغاني، الذي يحتضن كل من يعمل على تنفيذ رغبته هذه حتى لو كانت حركة طالبان، رغم كل اخطائها و سلوكيات بعض المنتمين اليها.
الدرس الاخر الذي يمكن ان تستخلصه الشعوب، وحتى امريكا، من انسحاب القوات الامريكية من افغانستان، هو ان الديمقرطية لا يمكن تصديرها، كما يتم تصدير الفاكهة، فالديمقراطية ليست سلعة يتم تعليبها،لتُستهلك من قبل الشعوب الاخرى، خاصة لو كنت هذه الديمقراطية على الطريقة الامريكية، وقد رأى العالم هذه الديمقراطية، عندما شن عشرات الالاف من المتطرفين هجوما فاضحا، على الكونغرس الامريكي، رمز الديمقراطية المريكية، وهو الهجوم الذي كشف عن فساد البضاعة الامريكية ، التي تحاول تصديرها الى الشعوب الاخرى على ظهر الدبابة واجنحة الصواريخ.
*فيروز بغدادي
انتهى