الخميس, مارس 28, 2024

آخر الأخبار

التأثير السلبي “للمشاكل الاجتماعية” على الأخلاق… بقلم الأستاذ هادي سروش

شفقنا-كتب حجة الإسلام والمسلمين هادي سروش سلسلة مقالات حول...

من وحي نهج البلاغة… «سلوني قبل أن تفقدوني»

شفقنا –  و من خطبة له (عليه السلام) و...

الإسراء والمعراج.. معجزة كبرى خالدة وتجسيد لعظمة الله تعالى

شفقناــ من أبرز أهداف الإسراء والمعراج، إعداد الرسول الأعظم...

مبدأ القيادة في فكر الإمام علي

شفقنا - مبدأ القيادة في فكر الإمام علي (عليه...

دراسة: أدمغة الإنسان تزداد حجما بمرور الزمن

شفقنا - وجدت دراسة أجراها باحثو جامعة UC Davis...

مسجد باريس الكبير يحض المسلمين على تقديم الدعم والمودة للمدرّسين

شفقنا - أعرب مسجد باريس الكبير، الخميس، عن “قلقه...

الأمم المتحدة: مكافحة الإرهاب تتطلب القضاء على الفقر أولا

شفقنا - أكد ليوناردو سانتوس سيماو ممثل الأمين العام...

الهجرة الدولية: أكثر من 63 ألف حالة وفاة أو فقدان مهاجرين في أنحاء العالم منذ 2014

شفقنا - سجلت منظمة الهجرة الدولية أكثر من 63...

مكمل غذائي شائع قد يكون قادرا على إبطاء عملية الشيخوخة

شفقنا - قال علماء إن مكملا غذائيا شائعا قد...

إسرائيل تضاعف الاستيلاء على أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة خلال العام 2023

شفقنا - كشف الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، الخميس، عن...

الصحة العالمية تحذر من مغبة انهيار النظام الصحي بقطاع غزة

شفقنا - حذر مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس...

يونيسف: حوالي 1.7 مليون فلسطيني بقطاع غزة نزحوا داخليا

شفقنا - قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إن...

بالفیدیو ؛ متظاهرون موالون لفلسطين يحتلون مكتبا حكوميا بلندن بسبب “تسليح إسرائيل”

شفقنا - احتل متظاهرون موالون لفلسطين مدخل إحدى الإدارات...

مجزرة غزة ؛ طحين…

شفقنا - طحين… مصدر : القدس العربی

حدیث الصور ؛ الأردن ينفذ 5 إبرارات جوية لمساعدات شمال غزة بمشاركة 3 دول

شفقنا - نفذ الأردن، الخميس، 5 إبرارات جوية لمساعدات...

حدیث الصور ؛ درنة الليبية.. إعادة إعمار وسط انقسام سياسي وحيرة الأهالي

شفقنا - بعد مرور نحو 6 أشهر على كارثة...

بالفیدیو ؛ أربعة قتلى طعنا في ولاية إيلينوي الأمريكية

شفقنا - قتل أربعة أشخاص من بينهم مراهقة وأصيب...

بالفیدیو ؛ من السويد.. “فلسطين كولا” مشروب غازي عوائده لدعم الفلسطينيين

شفقنا - أنتج شقيقان فلسطينيان يقيمان في مدينة مالمو...

بالفیدیو ؛ عقب عملية إطلاق نار أصيب فيها 3 مستوطنين.. جيش الاحتلال يغلق مدينة أريحا في الضفة

شفقنا - أغلق جيش الاحتلال الإسرائيلي، الخميس، كافة مداخل...

الجزيرة: حزب الله يستهدف مقر قيادة كتيبة ليمان

شفقنا - حزب الله اللبناني يعلن استهداف مقر قيادة...

الأناضول: ارتفاع حصيلة الضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة

شفقنا - أعلنت وزارة الصحة في غزة ان حصيلة...

آر تي: ارتفاع أسعار النفط بعد انخفاضها إثر صعود مخزونات الخام في الولايات المتحدة

شفقنا - صعدت أسعار النفط في تعاملات اليوم الخميس...

خاص- ماذا بعد قرار مجلس الأمن .. هل ينصاع الكيان للإرادة الدولية؟

خاص شفقنا- بيروت- تبنى مجلس الأمن الدولي قراره الأول الذي...

الجزيرة: أهالي الجنود المعتقلين يجتمعون مع نتنياهو اليوم

شفقنا - قالت هيئة البث الإسرائيلية إن أهالي الجنود...

عِيدُ الغَدِيرِ الأَغَرِ  اهميته ودلالاته

 

تقرير خاص- التاريخ نبع فيَّاض بدروسه وعِبره، ومن أعظم وأجل وأجمل دروس التاريخ الإسلامي كان ما حدث في يوم 18 ذي الحجة عام 10 من الهجرة الشريفة وهو ما نعرفه بعيد الغدير الأغر.

 

فلماذا لا نبحث عن هذا الحادث بدل أن ننكره، وهو ثابت في الزمان والمكان؟

 

ولماذا لا نبحث عن دروسه وعبره ونستفيد من تلك الخطبة الرائعة والراقية جداً التي هي من الخطب القليلة التي حفظها التاريخ كاملة من رسول الله (ص)، بدل أن ننكرها ونؤولها، ونلي عنقها كما تريد السلطات الحاكمة، أو الطغاة من سلاطين هذه الأمة، فقد مضى الجميع ويجب علينا أن نعيد القراءة من جديد وأن نقف على الحق ونلتزم به، وعلى الباطل ونرفضه فالحق أحقُّ أن يتبع.

 

فحادثة وواقعة الغدير ثابتة في التاريخ، والسيرة، والأدب فلماذا يُحاول البعض في تشويهها أو تشويه صورتها الناصعة من تاريخنا الإسلامي المجيد؟ انطلاقاً من عصبية جاهلية وأهواء نفسية إما لشفاء غيظ وحقد، أو إرضاء لحاكم ظالم وأمير فاسد ومفسد في البلاد والعباد..

 

يوم الغدير من أشهر الأيام في حياة رسول الإسلام (ص) ولقد وثّقته كل الكتب التاريخية على اختلاف مذاهبها وذكرت العديد من تفاصيل هذا اليوم العظيم.. فما هي قصته ؟.!

قصة عيد الغدير كاملة…

 

“فاعلموا معاشر الناس، أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، وعلى كل موحّد”

 

يصادف 18 ذو الحجة، عيد الغدير الأغر، نتقّدم  من إمام العصر والزمان (عج) وهو حفيد الرسالة وإلى ولي أمر المسلمين الإمام الخامئني وإلى جميع القراء الكرام بأحر التهاني والتبريكات وندعو الله سبحانه أن لا نحيد عن ولاية علي بن أبي طالب (ع) إلى يوم الدين.

يوم الغدير من أشهر الأيام في حياة رسول الإسلام (ص) ولقد وثّقته كل الكتب التاريخية على اختلاف مذاهبها وذكرت العديد من تفاصيل هذا اليوم العظيم.. فما هي قصته ؟.!

 

جبرائيل يبلّغ الرسول (ص) :

لما انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حجة الوداع والمسلمون معه وهم على بعض الروايات زهاء مائتي ألف نسمة، سار (صلى الله عليه وآله) نحو المدينة، حتى إذا كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وصل ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن معه من المسلمون ـ إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيين عن غيرهم، ولم يكن هذا المكان بموضع إذ ذاك يصلح للنزول، لعدم وجود الماء فيه والمرعى، فنزل عليه الأمين جبرئيل (عليه السلام) عن الله بقوله تعالى: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ))[2].

وكان نزوله هذا بهذا الشأن هو للمرة الثالثة، فقد نزل (عليه السلام) عليه (صلى الله عليه وآله) قبلها مرّتين ـ وذلك للتأكيد ـ: مرة عند وقوفه بالموقف، وأخرى عند كونه في مسجد الخيف، وفي كل منهما يأمره بأن يستخلف عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأن يسلّم إليه ما عنده من العلم وميراث علوم الأنبياء (عليهم السلام) وجميع ما لديه من آياتهم، وأن يقيمه علماً للناس، ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية، وفرض الطاعة على كل أحد، ويأخذ منهم البيعة له على ذلك، والسلام عليه بإمرة المؤمنين، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يسأل جبرئيل أن يأتيه من الله تعالى بالعصمة، وفي هذه المرة نزل عليه بهذه الآية الكريمة التي فيها: ((وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)).

 

الرسول يقوم بالمهمة :

 

فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتوقّف عن المسير وأن يردّ من تقدّم من القوم ويحبس من تأخّر منهم في ذلك المكان، فنزل (صلى الله عليه وآله) ونزل المسلمون حوله، وكان يوماً قايظاً شديد الحرّ، فأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها وأمر بجمع الرحال فيه، ووضع بعضها فوق بعض.

 

ثم أمر (صلى الله عليه وآله) مناديه فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمعوا إليه وإن الرجل منهم ليضع بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الحرّ، فلما اجتمعوا صعد (صلى الله عليه وآله) على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا علياً (عليه السلام) فرقى معه حتى قام عن يمينه ثم خطب (صلى الله عليه وآله) الناس خطبة بليغة لم يسمع الناس بمثلها فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ الموعظة، ونعى إلى الاُمّة نفسه، وأشار إلى أمر الإستخلاف فنصب علياً (عليه السلام) بأمر من الله تعالى خليفة عليهم بعده (صلى الله عليه وآله)، ومما قال (صلى الله عليه وآله) فيها ما يلي:

 

«معاشر الناس، ان الله أوحى إليّ يقول: ((يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ))[3]. وأنا مبيّن لكم سبب نزول هذه الآية: إنّ جبرئيل هبط عليّ مراراً ثلاثاً يأمرني عن ربّي جلّ جلاله أن أقوم في هذا المشهد، فاُعلم كل أبيض وأسود، أنّ علي بن أبي طالب أخي ووصيّي وخليفتي على اُمّتي، والإمام من بعدي، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة من الناس وهو الله الكافي الكريم.

 

فاعلموا معاشر الناس، أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضاً طاعته على المهاجرين والأنصار، وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي، والحر والمملوك، وعلى كل موحّد. معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا، وانقادوا لأمر ربّكم، فإنّ الله هو مولاكم وإلهكم، ثم من بعده رسوله محمّد وليّكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليّكم وإمامكم بأمر ربّكم، ثم الإمامة في ذرّيتي من ولده إلى يوم تلقون الله ورسوله، لا حلال إلاّ ما أحلّه الله، ولا حرام إلاّ ما حرّمه الله، عرّفني الله الحلال والحرام وأنا أفضيت لما علّمني ربّي من كتابه وحلاله وحرامه إليه ـ إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ـ.

 

وظل رسول الله يقول معاشر الناس، حتى وصل إلى قوله :

 

معاشر الناس، فما تقولون؟ قولوا الّذي قلت، وسلّموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا: سمعنا وأطعنا، وقولوا: الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله .. معاشر الناس، إنّ فضائل عليّ عند الله عزّوجل الذي قد أنزلها في القرآن أكثر من أن اُحصيها في مكان واحد، فمن أنبأكم بها فصدِّقوه.

معاشر الناس، من يطع الله ورسوله وعلياً أمير المؤمنين والأئمّة من ولده فقد فاز فوزاً عظيماً».

فناداه القوم: سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا.

ثم إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نادى بأعلى صوته ويده في يد علي (عليه السلام) وقال: «يا أيّها الناس، ألست أولى بكم من أنفسكم؟ ».

قالوا بأجمعهم: بلى يا رسول الله.

فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بضبع علي (عليه السلام) حتى رأى الناس بياض ابطيهما، وقال على النسق من غير فصل: «فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من خالفه، وأدر الحقّ معه حيثما دار، ألا فليبلّغ ذلك منكم الشاهد الغائب، والوالد الولد».

 

الصحابة يبايعون عليّاً (عليه السلام) :

ثم نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان وقت الظهيرة فصلّى ركعتين ثمّ زالت الشمس، فأذّن مؤذّنه لصلاة الظهر، فلما صلّى بهم جلس في خيمته وأمر عليّاً (عليه السلام) أن يجلس في خيمة له بازائه، ثم أمر (صلى الله عليه وآله) المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً فيهنّؤوه (عليه السلام) بالولاية، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعوه على ذلك.

 

ففعل الناس ذلك كلّهم يقولون له: بخّ بخّ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة[6]. ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن على علي (عليه السلام) ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين، ويبايعنه على ذلك، ففعلن وسلّمن عليه (عليه السلام) وبايعنه بإدخال أيديهنّ في طشت فيه ماء كان قد أدخل علي (عليه السلام) يده فيه قبل ذلك.

 

القرآن يبارك خلافة علي (عليه السلام) :

وعن ابن عباس، وحذيفة، وأبي ذر وغيرهم، انهم قالوا: والله ما برحنا من مكاننا ذلك حتى نزل جبرئيل بهذه الآية عن الله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً))[7].

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ سبحانه وتعالى برسالتي إليكم، والولاية لعليّ بن أبي طالب بعدي.

 

يوم الغدير شعرا :

كان شاعر الرسول (ص) حسّان بن ثابت موجودا فقال: يا رسول الله أتأذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله؟

فقال له (صلى الله عليه وآله): قل يا حسّان على اسم الله.

 

فوقف على نشز من الأرض وتطاول الناس لسماع كلامه، فأنشأ يقول:

الغدير برواية الشعر :

 

يناديهم يوم الغدير نبيّهم***بخمّ واسمع بالرسول منادياً

فقال: فمن مولاكمُ ونبّيكم؟ ***فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا***ولم تلق منّا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا علي فإنّني***رضيتك من بعدي إماماً وهادياً

فمن كنتُ مولاه فهذا وليّه***فكونوا له أتباع صدق موالياً

هناك دعا اللهمّ وال وليّه***وكن للذي عادى علياً معاديا

 

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك[8]. ثم قام من بعده جماعة من الشعراء وألقوا على مسامع القوم أبياتاً في مدح علي (عليه السلام) وتبجيل هذه المناسبة العظيمة كقيس بن سعد بن عبادة الخزرجي وغيره.

 

1] أخذنا هذه الخاتمة من كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ج2 الفصل الأخير وما قبله، للإمام الشيرازي (رحمه الله).

 

[2] سورة المائدة: 67.

 

[3] سورة المائدة: 67.

 

[4] سورة الإنسان: 1.

 

[5] سورة الفتح: 10.

 

[6] أنظر بحار الأنوار: ج21 ص388 ب36 ح10.

 

[7] سورة المائدة: 3.موقع غدير خم

 

هذه الحادثة، والرواية، هي مما أطبق عليه علماء التاريخ والسيرة النبوية، ولا يمكن لأحد أن يدرس سيرة رسول الله (ص) إلا أن يمرَّ بها لأنها محطة من أهم وأعظم المحطات الأخيرة في تاريخ السيرة النبوية الشريفة، إذ أن رسول الله (ص) بعدها بشهرين ونصف إلتحق بالرفيق الأعلى ولكن لم يتركوه يلتحق بيسر وبساطة وهدوء بل ملؤوا نفسه غيظاً، وقلبه غضباً عليهم حتى طردهم من بيته ومجلسه، إذ قذفه الرجل واتهمه بعقله حين قال: “إن نبيَّكم يهجر، أو هجر، أو غلبه الوجع”، وكل ذلك لأنه كان يُريد أن يُؤكد ما قاله في يوم غدير خم من الولاية لأمير المؤمنين والوصاية بالثقلين، ولكن الرجل عرف ذلك منه فمنعه كما هو يعترف لعبد الله بن عباس فيما بعد، حيث ذكر أحمد بن أبي طاهر في كتابه؛ تاريخ بغداد، مسنداً محاورة جريأة جرت بين ابن عباس وبين عمر بن الخطاب، قال عمر لابن عباس: يا عبد الله، عليك دماء البُدن إن كتمتنيها، هل بقي في نفسه – علي (ع) – شيء من أمر الخلافة؟ قلتُ: نعم.

 

قال: أيزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصَّ عليه؟

 

قلتُ: نعم. وأزيدك: سألتُ أبي عمَّا يدَّعيه؟ فقال: صدق.

 

فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمره ذرو من قول، لا يثبت حجة ولا يقطع عذراً، ولقد كان يربع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يُصرِّح باسمه، فمنعتُ من ذلك، إشفاقاً وحيطةً على الإسلام، لا، ورب هذه البُنية، لا تجتمع عليه قريش أبداً، ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها، فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أني علمتُ ما في نفسه فأمسك، وأبي الله إلا إمضاء ما حتم”.. (شرح النهج ج ٣ ص ٩٧ وعلي ومناوئوه ص ٢٦؛ كشف اليقين: 462/562، كشف الغمّة: 2/46، بحار الأنوار: 38/156)

 

فالرجل يعلم ما في ضمير رسول الله (ص) ولذا رماه بالهجر والهذيان والتخريف –والعياذ بالله– وليس ذلك فقط بل يعلم ما هو أصلح للإسلام، وهو أحوط عليه من رسول الله (ص) بل من الله رب العالمين لأن رسول الله لا ينطق عن هوى نفسه بل بما يأمره به ربه سبحانه، فالرجل هو الذي حفظ الإسلام وأحاط المسلمين، وليته يرى ما نحن فيه اليوم من الاختلاف والضلال والضياع.

 

فرسول الله (ص) طلب أن يكتب لهم كتاباً (لن يضلوا بعده أبداً) فمنعه لنضل الطريق أبد الآبدين إلى أن يبعث إلينا مَنْ يجمعنا بعد أن فرَّقنا رجال قريش إلى طرائق قددا، فصرنا ثلاث وسبعون فرقة وفي كل فرقة ربما ثلاث وسبعون وكلها في النار لأنهم على ضلال قطعاً، والفرقة الوحيدة الناجية منا هي (ما أنا عليه وأهل بيتي) كما في حديث الثقلين الذي رفضه ممثل قريش في ذلك اليوم ووضع نظريته وبدعته: “حسبنا كتاب الله”، ولن نعود ونجتمع حتى نعود ونجمع الثقلين (كتاب الله وعترتي أهل بيتي).

 

الغدير تاريخ مشرق

نعم؛ هذا واقع لا يُنكر إلا من النواصب الذين يبغضون أمير المؤمنين (ع) وربما يتعبَّدون الشيطان بذلك، ولو رجعت الأمة الإسلامية إلى ذلك التاريخ وانطلقت منه كقاعدة تربوية وثقافية ودينية لوجدوه تاريخاً مشرقاً بالمكرمات، والفضائل، ولن تجد تلك الأفكار والفرق الضالة المضلة الذين فرقوا الناس شيعاً وأحزاباً، وكل فرقة وحزب بما لديهم فرحون.

 

فالغدير يوحِّدنا تحت راية نصبها رسول الله (ص) بأمر من الله تعالى، وأخذ عليها البيعة منهم جميعاً وأشهدهم وحمَّلهم مسؤولية البلاغ والتبليغ (ليبلغ الشاهد منكم الغائب)، ولكن رجال قريش وأصحاب النظرية القرشية في الخلافة والحكم، هم يظنون أنهم يُحسنون صنعاً في حينها، ولكن لو خضع لرسول الله (ص) وسمع كلامه والتزم أمره وأعطاه كتفاً ودواة وكتب رسول الله (ص) وصيته لعصم الأمة من التيه والضلال إلى أبد الدهر، ولكنه اجتهد فأخطأ – كما يقولون لأنه لا اجتهاد في وجود رسول الله (ص) – بل عصى الله ورسوله وظن أنه أحوط للإسلام ويتهم رسول الله (ص) بأبشع أنواع التهم (التخريف) حتى قال روحي فداه: (إن ما أنا فيه خير مما ترمونني به)، أي أن الموت كان أهون عليه من تهمة الرجل القرشي له بالهجر.

 

الغدير نبع مغدق

والغدير هو ما اجتمعت فيه مياه الأمطار، أو أنه النبع الساكن مقابل الجاري، فهو نبع ولكن لا يجري على الأرض، ولكن عيد الغدير الأغر غير ذلك تماماً لأنه العيد الذي يُغيِّر وجه التاريخ والحاضر ويبني المستقبل بحضارة راقية تنهل من ذاك النبع الزلال، فهو نبع معطاء ومغدق لا ينضب لأنه متصل بالسماء والقرآن الحكيم، وفي الأرض بالرسول الكريم (ص)، والراعي والساقي عليه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب وأبناؤه (صلوات الله عليهم).

 

فلو عادت الأمة إلى صاحب الغدير واتبعته وبايعته على الالتزام بولايته قولاً وفعلاً لأكلوا من فوق رؤوسهم ومن تحت أرجهم ولأعطتهم الأرض خيراتها، وأنزلت السماء بركاتها، ولكنهم ذهبوا إلى ذاك السراب الذي يحسبه الظمآن ماء ركضاً خلف رجال قريش وسرابهم الذي أضلهم وأضل كل مَنْ جاء بعدهم إلى قيام الساعة لأنه سراب لا حقيقة له ولا ماء فيه، وأما الغدير فهو حقيقة ثابتة ومترع بالماء الزلال.

 

ولكن هذه الأمة التي لا يوجد أحد بين الأمم أجحد منها لحق ذوي القربى فيها، وهو الذي جعله الله سبحانه أجراً للرسالة الإسلامية في قوله تعالى: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى: 23)، لكنهم دخلوا الإسلام ولم يدفعوا الأجار والثمن فكانوا كالغاصبين، وليس ذلك فقط بل جعلوهم أعداءهم تبعاً لقريش الظالمة أولاً ثم لبني أمية الشجرة الملعونة في القرآن قال تعالى: (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا) (الإسراء: 60)

 

فقتلوا أهل البيت (ع) تحت كل حجر ومدر حتى كان المنادي ينادي في يوم عاشوراء حيث أبادوهم عن جديد الأرض كما ظنوا: “اقتلوهم ولا تدعوا لهذا البيت من باقية”، فقتلوا الرجال والأطفال وساقوا الحرائر من بنات الوحي والرسالة سبايا على المطايا ينقلوهن في أكثر من أربعين منزلاً إلى أن وصلوا إلى الشام عند الطاغية الباغية يزيد الشر.

 

في ذلك اليوم الذي حاول فيه صبيان النار الأموية أن يطفؤوا نور الله بأفواههم، ويطمسوا الغدير بالسراب والهجير إلا أن الله سبحانه وتعالى حاشا وكلا أن يطفأ نوره في هذه الحياة المتمثل في أهل البيت الأطهار الأبرار (عليهم السلام).

 

فعيد الغدير الأغر تاريخ مشرق على الدنيا بالفضائل والمكرمات والقيم الإنسانية، ونبعه مغدق وفيَّاض بكل المعاني النبيلة في هذه الحياة، ولكن هذه الأمة جحدت الغدير وقتلت صاحبه الأمير (ع) وراحت تركض خلف كل جبار متكبر حقير من الحكام والسلاطين فأضلوا العباد وأفسدوا الدِّين والدنيا وما زالت هذه الأمة ترجوا الصلاح من موطن الفساد فيها وهذا من أعجب العجب.

 

لأن الصلاح يأتي من الصالح لا الطالح، والماء من الغدير لا من سراب الهجير، فمتى تستيقظ هذه الأمة من هذا الكابوس الخطير على وجودها لا سيما في هذا العصر الأغبر؟

 

المنابع: صحف و مواقع

————————-

 

المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

 

————————–

 

النهاية

مقالات ذات صلة