خاص شفقنا-قد دخلت أفغانستان بعد هزيمة الحكومة المركزية واحتلال العاصمة على يد قوات طالبان فصلا جديدا من تاريخها، ذلك انه وللمرة الثانية تستولي حركة على هذا البلد المتأزم، كانت قد سقطت قبل عقدين من الزمن على يد التحالف الغربي، بقيادة أمريكا وتم قمعها بشدة، لكن بعد عقدين استطاعت نفس الحركة ومن خلال إعادة نفسها وتطوير إمكانياتها ان تنهض من تحت رمادها، وتتحول إلى اللاعب الرئيس وصانع القرار في أفغانستان.
نظرا إلى مكانة طالبان الخاصة في التطورات التي تشهدها أفغانستان، يعد من الضروري معرفة هذه الحركة، وعلى هذا نتطرق في هذا المقال إلى إحدى الجوانب التي قلما يتم التطرق إليها عند تناول حركة طالبان بالدراسة وهي القوة الناعمة والدبلوماسية العامة لهذه المجموعة.
ان القوة الناعمة تعني تشكيل تفضيلات الآخرين من خلال خلق الجاذبية واستقطابهم، لكن خلق الجاذبية يتطلب وجود إمكانيات إعلامية وتواصلية لامتلاك القوة لتمثيل ما هو المطلوب للقوة الناعمة من خلال أرضيات التواصل. وكما هو معلوم هناك العديد من أنواع الوسائط، من الراديو إلى التلفزيون، والإنترنت، والكتب، وحتى المنابر، وكلها توفر سياقا للتواصل مع جمهور معين.
اتبعت طالبان ثلاث استراتيجيات تدريجية لتطوير قوتها الناعمة على مدى العقدين الماضيين. ففي المرحلة الأولى، قام التنظيم باستعادة قدراته في مجال الاتصالات والشبكات في المجتمع الأفغاني من عام 2002 إلى عام 2009، حيث تعرضت العديد من شبكات وقدرات الجماعة إلى الأضرار، أثناء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على أفغانستان.
في هذه الفترة حاولت أمريكا وحلفاءها ان تقدم نفسها على المستوى الداخلي والعالمي منقذا لأفغانستان والأمن العالمي، غير ان طالبان ومن خلال إبراز الأضرار التي لحقت بالمدنيين جراء الهجمات المميتة الأمريكية على المناطق المدنية والمأهولة بالسكان، سعت ان تتحدى الصورة التي تقدمها أمريكا من أفغانستان في مرحلة ما بعد طالبان، وبالتزامن قامت طالبان بتسجيل صور الآليات التي تعود إلى القوات الأجنبية والمحتلة التي قامت بتدميرها وبهذا ارادت ان تعرض قواها للعالم إضافة إلى عرضها للتكاليف الحقيقية لإثارة الحروب على يد أمريكا لسكانها الذين يدفعون الضرائب للحكومة. هذه الممارسات في تلك الفترة لم تزيد من ممارسة الضغط العالمي على التحالف فحسب، بل زادت من رأسمال الحركة الاجتماعي بين صفوف مختلف طبقات الشعب الأفغاني، وفي هذه الفترة قدمت طالبان متحدثا باسمها كي يقوم ببناء العلاقات بوسائل الإعلام ويعلن عن مواقف الحركة الرسمية.
في المرحلة الثانية طورت طالبان وسائل إعلامها ومعلوماتها منذ عام 2009 حتى عام 2017، وتمكنت وسائل الإعلام والمراسلون من إقامة علاقات مباشرة مع طالبان وحتى الحصول على تفاصيل الأخبار والأحداث المهمة التي تجري في أفغانستان عن طريق الحركة. وخلال هذه الفترة، وضعت حركة طالبان إنشاء محطات إذاعية متنقلة على جدول أعمالها من أجل بث أخبارها وأفكارها على مستوى جغرافي أوسع. كما لفت مجال الشعر والأدب وحتى الموسيقى الملحمي انتباه طالبان خلال هذه الفترة، ونشرت الجماعة آراءها من خلال وسائل الإعلام المتوفرة لديها وفي شكل محتوى أدبي وثقافي. كما قامت ببناء علاقات مع وسائل إعلام عالمية، ووجهت دعوات لمختلف المراسلين لزيارة المناطق الخاضعة لها، كي تنقل صورة طالبان الحقيقية للرأي العام العالمي وبهذا تواجه الدعاية المعارضة لها على يد الغرب.
وفي المرحلة الثالثة أي منذ عام 2017 حتى عام 2021 بدأت بإعادة بناء صورتها لدى الرأي العام العالمي عبر الفضاء المجازي ووسائل الإعلام العالمية، بغية الحصول على الشرعية العالمية وتحويل طالبان إلى ناشط سياسي. وطيلة هذه السنوات ونظرا إلى أهمية وسائل الإعلام الاجتماعية في تكوين الرأي العام لفتت هذه الوسائل انتباه طالبان، إذ ومن خلال بحث في تويتر أو الفيسبوك أو اليوتيوب يمكن العثور على آلاف الحسابات المناصرة لحركة طالبان.
في يومنا هذا وبالنظر إلى انهيار الحكومة الأفغانية السابقة وسيطرة طالبان، تحتاج الحركة من أجل الحصول على الشرعية العالمية، إلى توسيع وجودها ونشاطها في الفضاء الإلكتروني والإعلام، لذلك لا شك بأنه في الأسابيع والأشهر المقبلة ستزداد عدد وسائل الإعلام التابعة لطالبان وتتنوع. في ظل هذه الظروف، تطورت الدبلوماسية العامة لطالبان، وسيزداد تفاعلها مع المجموعات والجماعات المختلفة في المجتمع الأفغاني، وكذلك مع الرأي العام في البلدان الأخرى، بشكل كبير. ليس من المستبعد بأنه في الأشهر المقبلة ستوفر طالبان الظروف لتواجد السياح الأجانب في هذا البلد وستدعم إقامة المهرجانات والفعاليات العلمية في أفغانستان.
أخيرا وبعيدا عن الحديث عن طبيعة طالبان في الماضي، فأنها اليوم تتسلح بالتقنيات الإعلامية الحديثة وتعرف الأفكار العالمية وحقوق الإنسان في مجال الحكومة، وإضافة إلى هذا فأنها تواجه جيلا من الأفغان الذين سبق لهم الحصول على وسائل الإعلام، وعلى هذا من المستبعد ان تقوم الحركة بفرض قيود على الفضاء العلمي والإعلامي في أفغانستان، نظرا إلى سعيها إلى تقديم الصورة المنشودة لحكمها في هذا البلد، لكن يبقى إصدار الحكم في هذا المجال عملا سابقا لأوانه، وعلينا التريث لنرى ماذا تحمل التطورات المستقبلية في هذا البلد في طياتها.
ديبلماسي إيراني
النهاية