خاص شفقنا-منذ ما يقارب عقد من الزمن وتكثف قطر من أنشطتها على المستوى الإقليمي، فما حوّل قطر في يومنا هذا إلى مركز العلاقات الدبلوماسية والسياسية، هو نتيجة عمل استمر لعقد من الزمن مركزا على وضع السياسات في مجال أبواب النفوذ المفتوحة في ساحة السياسية الخارجية القطرية.
ان قضية نفوذ قطر في صفوف طالبان في أفغانستان، ودور الدوحة كونها طرف إقليمي مؤثر هو نتيجة زيادة فعاليتها في مجال الأنشطة الإقليمية، في الحقيقة فان فتح المكتب السياسي لطالبان في الدوحة بعام 2013 وفر أرضية لنفوذ هذا البلد في صفوف الحركة، إذ تدل استضافة الدوحة في قضية الاتفاق مع طالبان بمشاركة مندوب أمريكا زلماي خليل زاد بعام 2018 وصولا إلى إقامة اجتماعات مختلفة جمعت الأفغان من الدول السابقة وطالبان، على دور الدوحة ومكانتها الخاصة في صفوف طالبان، هذا التأثير سيزداد أكثر من ذي قبل بعد خروج القوات الأمريكية من أفغانستان وتأزم الأمور وسيطرة طالبان على مقاليد الأمور وسقوط الحكومة السابقة.
ومن الهواجس الرئيسية للدول الغربية بعد سيطرة طالبان على أفغانستان هو الخوف من إغلاق طرق النقل الجوي لأتباعها للخروج من أفغانستان، الحقيقة هي ان الدوحة تمكنت من لعب دورها بشكل مدهش، ونجحت في نقل اتباع الدول الأجنبية من أفغانستان، من جهة أخرى أثبتت قطر في هذه الفترة الوجيزة أي بعد مرور اقل من شهر من سيطرة طالبان على أفغانستان، بأنها استطاعت وفي الساحات الميدانية والدبلوماسية ان تلعب دورا ملفتا، إذ وكما يرى بعض المحللين والمراقبين بان العلاقات بين الدوحة وطالبان قويمة وراسخة، واستطاعت قطر طيلة هذه السنوات ان تجعلها منظمة وتفاعلية.
ان أنشطة قطر في مجال الدبلوماسية ملفتة للنظر، إذ بعد الإعلان عن أسماء حكومة طالبان الجديدة وضعت الدوحة اختبار طالبان في مجال الواقع السياسي أساسا وأعلنت عن فكرة الاعتراف بطالبان بشكل غير رسمي وأكدت على ان الدوحة ليست في عجلة من أمرها فيما يتعلق بالاعتراف الرسمي بطالبان وحكومتها وهذا الأمر إنما يدل على الحيوية في نظام اتخاذ القرار والسياسة الخارجية القطرية، الحقيقة هي انه يجب تقييم نسبة أداء الدوحة في التطورات الأفغانية وفقا لعلاقتها بهم، وان معيار العلاقات ليس ما يجري اليوم في المجتمع الأفغاني إنما الواجبات الملقاة على طالبان التي عليها ان تؤديها لقطر.
في الواقع أثبتت قطر بأن في قضية العلاقات بطالبان والدول الأخرى سواء في فترة المفاوضات أو في الفترة الراهنة، بأنها تعمل أكثر من كونها وسيط، وإنما تتمتع بمكانة خاصة. إذ يمكن القول بان الدوحة وبموجب الشبكات التي قامتها ببنائها، تتمتع بنفوذ على القيادة السياسية وحتى الدينية لطالبان، وهذه التأثيرات هي التي يمكن ان تترك تأثيرها على ما تطلبه قطر من طالبان.
لهذا يمكن القول بان دور التطورات الأفغانية كان كبيرا في تحويل قطر إلى لاعب مهم في السياسة العالمية، إذ لا يغطي كل استراتيجيات قطر في المجال السياسي الميداني على المستوى الإقليمي والعالمي فحسب، بل يتحول إلى نموذج للتخطيط والأهداف الأخرى على الصعيد الإقليمي والدولي، في الحقيقة فان قطر والى جانب بناء النماذج لهذه المقاربة في سياساتها الخارجية ومن خلال الاهتمام بمعيار تحقيق النتيجة بمرور الزمن، فأنها تتابع ضرورة وضع خططها وفقا لهوامش من النص، المستعدة للتحول إلى حقائق في جوف النص.
لأهمية أفغانستان وتطوراتها تأثيرات متعددة الجوانب على قطر، إذ توفر مصالح قطر على المستوى الإقليمي والدولي في مجال السياسة، فهذه التجربة تجعل قطر يرتفع إلى مستوى أعلى في مجال النشاط الإقليمي، وتربطها بالقوى العالمية على المستوى الأعلى، وبالتزامن ستضيف تجربة جديدة للسياسة الخارجية القطرية التي يمكن ان تتحول إلى نموذج جديد في مستقبل سياستها الخارجية، وكذلك على المستوى الإقليمي والدولي، فضلا عن هذا فان تجربة التعاون مع طالبان والنجاحات الأخرى التي حققتها قطر على المستوى الإقليمي طيلة العقد المنصرم، أثبتت بان أيديولوجيا قطر المتمثلة في الاخوانية الجديدة حققت ما كانت تصبو إليه من نتائج، بعبارة أخرى، إن إنجازات النهج الإخواني للدوحة تفوق تكاليف الصلبة والناعمة التي فُرضت على قطر من هذه القضية وأجبرتها على دفعها.
راهبرد معاصر
النهاية