خاص شفقنا-يسدي تشانكيا المفكر والسياسي الهندي الشهير الذي عاش في إمبراطورية أشوكا نصائح ذات حكمة للحكام الهند ومنها بناء العلاقات مع جار الجار، ذلك ان العلاقات مع الجيران دائما ما تتعرض إلى التغييرات، لكن يمكن ترتيب أوراق العلاقات مع جار الجار، ومن الملفت بان هذه النصيحة الحكيمة ملموسة حتى يومنا هذا في السياسة الخارجية الهندية.
ان انقلاب ثور وما تلاها من تواجد المحتل السوفيتي في أفغانستان بث الفرح في قلب السيدة غاندي التي كانت من الداعمين للكتلة الشرقية، لكن بعد المقاومة العنيفة الشعبية وخروج القوات السوفيتية، بدأ ساسة الهند بتغيير سياساتهم تعويضا عن أخطاء الماضي، وشرعوا باستمالة قلوب الأفغان نحوهم، وفي هذا الإطار قاموا بدعم قوات تحالف الشمال، على أمل ان تتولى حكومة شاملة وغير أيديولوجية في كابول مقاليد السلطة، لكن ولسوء حظ الهند سرعان ما سيطرت طالبان على أفغانستان وبهذا سببت إزعاج دلهي. بعد سقوط كابول فتحت منافذ أمل جديدة لدى الحكومة الهندية، وقدمت الحكومة الهندية مساعدات كثيرة في مجال الاقتصاد وبناء الدولة للأفغان، ومنها إنشاء مبنى البرلمان الأفغاني وتنفيذ مشاريع مثل بناء السدود.
أما اليوم فان صعود طالبان في أفغانستان قد أثار قلق الهند مرة أخرى، مع ان دلهي تأمل بان طالبان قد تعلمت من العقدين المنصرمين الكثير من الدروس ومنها التعايش السلمي مع العالم.
ان الهند وبغية مواكبة الأحداث في التعامل مع طالبان على غرار الدول الأخرى، قامت بإجراء الاتصالات مع طالبان، غير ان انهيار الجيش والحكومة في أفغانستان من دون مقاومة أمام طالبان، أثار القلق لدى دلهي مرة أخرى. فبعد صعود طالبان في أفغانستان، يبدو ان باكستان هي الرابح الأكبر والهند هي الخاسر الأكبر، غير ان الخروج بنتيجة شاملة يتطلب منا دراسة مختلف السيناريوهات دراسة معمقة، بأخذ عاملي الزمن ومسار التطورات في أفغانستان بعين الاعتبار.
السيناريوهات المحتملة:
- نجاح باكستان، أكبر منتصر بعد عودة ظهور طالبان، في ترسيخ عمقها الاستراتيجي في أفغانستان، وفي هذه الحالة فان الهند، وعلى الرغم من سعيها لتوثيق العلاقات مع البلدان الأخرى مثل إيران وروسيا وآسيا الوسطى والدول العربية، لكنها تخشى من نفوذ باكستان وترى ان مساعيها ذهبت إدراج الرياح ومصالحها اصبحت مهددة.
- فشل باكستان في ترسيخ عمقها الاستراتيجي وبهذا فان اللاعبين الحكوميين وغير الحكوميين في أفغانستان يبدؤون بمعارضتها، وتواجه باكستان العديد من التحديات الأمنية هناك.
- إثارة مشاعر البشتون القومية القانطين في طرفي الحدود، إذ تظهر عندئذ إرادة مشتركة لتوحيد صفوفهم، وينتهي هذا العمل إلى تغيير الحدود، وهذا يمثل كابوسا لباكستان.
- انتشار أفكار طالبان بين القوميات والأحزاب الإسلامية في باكستان، وعلى هذا تتعرض باكستان إلى تهددي حقيقي.
- نجاح طالبان واللاعبين الدوليين وغيرهم في تقسيم باكستان، وعلى إثرها تغيير حدود جنوب آسيا، فتصبح باكستان أحد الدول الخاسرة.
- تبني باكستان العقلانية والقيام بالتعاون مع الهند للحفاظ على وحدتها والسلام والاستقرار في جنوب آسيا ومنع تقسيم الحدود.
- محاولة طالبان وأنصارها فكريا في النفوذ والتدخل في الهند وهذا يمثل كابوسا رهيبا للهند.
- قيام باكستان بترسيخ عمقها الاستراتيجي في أفغانستان وتوفيرها المجال لتدخل المتطرفين في كشمير وفي صفوف مسلمي الهند، وهذا ما يؤدي إلى تهديد الأمن القومي ووحدة الأراضي الهندية، وبهذا تتعرض مصالح الهندي الحيوية إلى التهديد.
من بين السيناريوهات المذكورة أعلاه، يشكل السيناريو رقم ستة، السيناريو المنشود والمطلوب للهند وكذلك للمصلحة المشتركة للهند وباكستان. خلاف ذلك، ستستخدم الهند نفوذها وتسهيلاتها لمعاقبة باكستان من خلال فصل جزء آخر من باكستان، وكذلك من أجل الرد على السياسات العدائية لإسلام أباد، وفي هذه الحالة تعتبر بلوشستان باكستان أحد أهداف الهند والمناطق المحتملة للتدخل الأجنبي بغية تحريض البلوش لتشكيل دولة مستقلة وعندها يصبح هذا السيناريو تهديدا كبيرا لوحدة أراضي إيران.
ديبلماسي إيراني
النهاية