شفقنا-خاص- التطورت التي يشهدها السودان هذه الايام، تشير الى ان الامور لا تتجه كما كان مرسوما لها، عندما تقاسم العسكر والمدنيون المعروفون بتحالف قوى الحرية والتغيير،السلطة، التي تشكلت بعد الثورة الشعبية، في 21 أغسطس/آب 2019 ، والتي كان من المفترض ان تقود السودان لفترة انتقالية تستمر 53 شهرا، 26 شهرا الاولى تكون من نصيب العسكر، حيث تنتهي سلطتهم في تشرين الثاني نوفمبر القادم، على أن يبدأ المدنيون سلطتهم والتي تستمر 26 شهرا ايضا، والتي تنتهي بإجراء انتخابات في مطلع 2024.
يرى المراقبون للمشهد السوداني، ان الاسباب التي قد تؤثر على انتقال الرئاسة إلى المدنيين تعود الى الخلاف الذي نشب بينهم وبين العسكر، لاسيما بعد ” محاولة الانقلاب الفاشلة”، التي اعلن عنها العسكر في الثاني والعشرين من شهر ايلول / سبتمبر الماضي، وما ترشح من اخبار حول تورط بعض الشركاء المدنيين في السلطة، في تلك المحاولة، والتي شكك فيها الطرف المدني بالسلطة، واعتبرها ذريعة للتملص من الاتفاق على تقاسم السلطة، لاسيما ونحن نقترب من تاريخ تسليم السلطة للمدنيين.
اللافت ان الانقسام لم ينحصر بين المدنيين (تحالف الحرية والتغيير) وبين العسكر، فقد انتقل الانقسام الى داخل معسكر تحالف الحرية والتغيير نفسه، بعد ان انقسم الى تيارين، الاول يناصر العسكريين في السلطة!!، بينما الثاني يرفض ما اسماه بانشقاق رفاقهم المدنيين.
المتابعون للشأن السوداني يؤكدون على ان الانقسام في تحالف الحرية والتغيير يتمحور حول هيكلة الائتلاف الحاكم، حيث يرى مؤيدو العسكر ضرورة ان تنضم قوى اخرى، شاركت في مقارعة النظام السابق وفي انتصار الثورة، الى تحالف الحرية والتغيير، واشراكها في السلطة، من اجل الحيلولة دون هيمنة قوى محددة على مراكز صناعة القرار..
المطالبون بتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة، يطالبون ايضا بحل الحكومة، الامر الذي رأت فيه مجموعة الرفض داخل تحالف الحرية والتغيير، محاولة مريبة، لانها تؤدي إلى الإخلال بميزان القوى، وتفسح المجال لانضمام قوى اخرى مؤيدة للعسكر ومناصرة للنظام السابق.
الملفت ان الانقسام بين قوى تحالف الحرية والتغيير وصل حدا، ان انصار التيار الداعي لتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم، بدأ اعتصاما امام القصر الرئاسي، بهدف الضغط من اجل حل الحكومة، وهو اجراء وصفه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بانه خطير ويهدد الفترة الانتقالية.
تحالف الحرية والتغيير، المتهم من قبل العسكر، باختطاف الحكومة، إتهم بدوره قيادات عسكرية ومدنية بتأجيج الأوضاع في الساحة، من اجل إجهاض كل إنجازات الثورة، لانها تتزامن مع محاولات لتجويع الشعب وتركيعه وإحداث انفلات أمني وإغلاق الموانئ والطرق، للضغط في اتجاه حل الحكومة وهي المطالب ذاتها التي ينادي بها العسكريون ومؤيدوهم.
أكثر التصريحات وضوحا بشأن تمسك العسكر بالسلطة، هي تلك التي ادلى بها قائد قوات الدعم السريع والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، والتي اكد فيها انه لم تتم مناقشة تسليم رئاسة المجلس السيادي إلى المدنيين باعتبار أن الأمر سابق لأوانه، وشدد على التمسك بتبعية الشرطة وجهاز الاستخبارات العامة للمكون العسكري، وعدم تركهما للمدنيين، وعدم تسليمها إلا لحكومة منتخبة.
تصريحات حميدتي اعادت الامور في السودان الى المربع الاول، لانها القت شكوكا كثيفة على عملية انتقال رئاسة المجلس السيادي إلى المكون المدني بحسب الوثيقة الدستورية، التي تم التوصل اليه في آب / اغسطس عام 2019، والذي وقع عليه المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، بشأن هياكل وتقاسم السلطة في الفترة الانتقالية.
يبدو ان العسكر ادركوا ان من غير الممكن تحقيق هدفهم بالتمسك بالسلطة، من خلال القوة وفرض الارادة والانقلابات العسكرية، فهذه الطريقة باتت من الماضي، لذلك لجأوا الى الشارع، بعد ان تمكنوا من احداث انقسام في تحالف قوى الحرية والتغيير، حيث نزل انصار القسم المؤيد للعسكر الى الشارع، واعتصم امام القصر الرئاسي، وهو اجراء سيُقابل حتما، بشارع اخر، سيشغله انصار القسم الاخر من تحالف قوى الحرية والتغيير، وفي حال تعقدت الامور بين الشارعين، سيظهر العسكر كالعادة وبوصفهم، المنقذ للسودان من الفوضى التي تسوده بسبب المدنيين!!.
*أحمد محمد
انتهى