شفقنا- دعونا نتفق أولاً أن الصحافة الورقية تمر بأزمة كبرى وأن هذه الأزمة عالمية واسعة النطاق، لا ينبغي أن ندفن رؤوسنا في الرمال فندّعي أن الأزمة لا وجود لها، ولا أن نبالغ فنقول: إنها أزمة بلا حلّ!
لقد كانت الصحف قديمًا هى الوسيلة الإعلامية الأولى محليًا وعالميًا مما أدى إلى انتعاشها وتشعب اتجاهاتها، حدث هذا قبل التليفزيون والراديو والسينما، أما اليوم وقد امتلأت السماوات بالبث الإعلامي الفضائي، وتكدّست الشاشات الرقمية وغصت بوسائل التواصل والصحافة الرقمية البديلة، فقد حوصرت الصحافة الورقية فى زاوية، وبات الأمر يتطلب حلولًا ناجحة قادرة على تجاوز الأزمة وإقناع الجمهور بالتخلي عن شاشته الرقمية المجانية ليقرأ صحيفة لا يستكثر ثمنها، ولا يستثقل قراءتها.
الصحف قادرة على أن تعود كسلعة ثقافية حيوية مطلوبة لجميع فئات وشرائح المجتمع، الدليل على ذلك أن حاجة الجمهور للمعلومات تزداد يوماً بعد يوم، عالم التسويق والإعلان يعتمد على المعلومات.. وهكذا الاقتصاد والفن والثقافة والتجارة والصناعة والمال والجريمة والقانون والسياسة.. كلها معلومات.
والمطلوب فقط أن تكون تلك المعلومات صحيحة وموثوقة ومثيرة من حيث طريقة تقديمها، هكذا هى لعبة الصحافة الأثيرة، أن تجعل القارئ مثاراً متحفزاً للمعلومة التي يفتقر إليها، فالصحافة هي عالم المعلومات المتجددة الشيقة، إنها مفارقة كبيرة تحمل سؤالًا تعجبيًا استنكاريًا.. هذه المفارقة الاستفسارية تقول:
كيف يمكن للصحافة بصفة عامة أن تفشل ولو جزئيًا فى عصر يسمونه “عصر المعلومات”؟
وهل هناك مصدر للمعلومات أفضل أو أقوى من الصحافة ؟!.
الإعلام الرقمى له مزية هائلة لم تُستغلّ بعد.. أنه قادر على اختراق الحدود إلى أبعد مدى ممكن، وكالات الأنباء العالمية باتت شبيهة بآلة معلومات عملاقة تعمل على مدار الساعة، حجم معلومات ضخم، وحجم عَمالة هائل يتناسب مع شلال الأخبار المتدفق بلا انقطاع، وجميع الفضائيات تتناقل تلك الأخبار باستمرار، لاشك أن تأثير مثل تلك الصحافة العابرة للحدود قوي وممتد.
منصة اليوتيوب هي منصة أخرى من منصات الإعلام البديل، وربما كانت من أقوى المنصات العالمية، بعض لقطات الفيديو الفنية أو الاجتماعية تستحوذ على نسب مشاهدات بالملايين، وقد تتجاوز حاجز المليار خلال أسابيع قليلة، حتى إن جهات الإنتاج العربية تنبهت لمثل هذا الأمر، واستغلت اليوتيوب للدعاية لأحد الفنانين أو الفنانات، أو الدعاية المضادة ضد فنان أو فنانة أو عمل فني!
والسؤال هنا: هل من الممكن استغلال منصات الإعلام الرقمي العالمية للترويج للسياحة؟
نعم ممكن .. لكن الأمر ليس سهلًا كما قد يبدو، مجال الدعاية الرقمي مجال احترافي له مقومات وآليات أخرى مختلفة عن آليات الصحافة المطبوعة، ومجال السياحة مجال متعدد الأوجه والأنشطة، والمنافسة العالمية على أشدها، ولكي تكون مؤثرًا فى الذوق العالمي، لا بد أن يكون لك موطئ قدم فى الإعلام العالمي.
هناك أبعاد لامرئية فى العمل الإعلامي الرقمي؛ كعمليات الحماية الرقمية والتوجيه والتحكم والمتابعة والتقييم والتصنيف، كلها تستلزم مقومات مادية وموارد بشرية لإدارتها قد لا تمتلكها مؤسسة صحفية منفردة، لكن تجميع الجهود وتبادل الخبرات فى المجال الصحفي قد يسهم فى تكوين صحافة مصرية رقمية قادرة على اختراق الحدود والوصول للعالمية، هكذا تستطيع الصحافة لا أن يكون لها دور فى الترويج السياحى من خلال المنتَج الثقافي فحسب؛ بل فى الترويج لأي سلعة أخرى من السلع المعنوية.
آفاق رحبة
هناك مثلًا فكرة نفذها الغرب ولم نستطع بعد أن نقلدهم فيها.. هي فكرة “غيمة الأفكار” أو “Document cloud”! إنها كتلة رقمية محمَّلة ومثقلة بالبيانات والمعلومات الموثَّقة المصنَّفة والمتاحة لكل الصحفيين كمصدر دائم للمعلومات، وهي الغيمة المستعدة لإمطارك فى أي وقت بأي كمية تريدها من الأفكار الجاهزة، إنها أشبه ببنك رقمي للمعلومات والوثائق شارك فى إعداده نخبة من المتخصصين والصحفيين كمؤسسة نيويورك تايمز ومؤسسة “جيمس لى نايت” وعدد من الصحفيين اللامعين مثل (سكوت كلاين) و(أرون بيلهوفر) و(إريك أوماتسيكى) و(أماندا هيكمان)، وجميعهم من المتحمسين لدور الإعلام الرقمي فى تبادل الأفكار وإتاحة المعلومات وتطوير العمل الصحفي والإعلامي.
التقنيات الحديثة ومستقبل الإعلام
قيل، على سبيل التخيل، أن حجم المعلومات الرقمية دائمة التوارد والاتساع بلغ من الضخامة ما لو تم تحويله جميعًا إلى مطبوعات لغطى الأرض كلها وأكثر، فالمحتوى الرقمي المعلوماتي، بكل ما فيه من غث وسمين، يفوق ما تم تسجيله فى الكتب منذ بدء الخلق حتى اليوم بثلاثة ملايين ضِعف! أمر عصِيّ على التصور.
نحن أمام إمكانات افتراضية غير محدودة .. فيض لا ينقطع من معلومات تنحدر من عشرات المنابع ومئات المصادر وآلاف المواقع كأنهار من الأفكار لا تنضب ولا تتوقف عن الدوران والتعاقب.
دور الصحافة مستقبليًا سوف ينحصر فى محاولة اصطياد ما هو ملائم للبث من بين أمواج الأخبار اليومية الجامحة، لم يعد دور الصحافة هو السعي خلف الأخبار، فالأخبار الآن هي التي تسعى خلف الصحافة، إنما فقط انتخاب الأخبار وإعادة عرضها بطريقة مثيرة ملفتة.
لغة الصورة والمشهد سوف تسود هنا أكثر من اللغات المقروءة .. فالصورة تمثل لغة عالمية تتحدث دون حاجة إلى ترجمة، وهي لغة محبوبة تألفها العين وتستمتع بها أكثر من لغة الحروف والأرقام، سوف يتغير الإعلام وتتغير اتجاهاته وأهدافه شاء أم أبَى.. فالتغيير قادم.. قادم فى صورة تقنيات جماهيرية غير قابلة للمنافسة، ولكي يستطيع الإعلام أن يواكب ذلك التغيير، لا بد له من أن يتغير ويتطور فى ذاته، أو يبقَى فى ذيل المنظومة الإعلامية العالمية كمتابع ومشاهد لا كمشارك.
عبدالسلام فاروق
النهاية