خاص شفقنا-تتحرك الولايات المتحدة وبعد فترة من سياسة التدخل المباشر في تطورات غرب آسيا وبشكل تدريجي نحو سياسة التوازن عن بعد أو القيادة غير المباشرة. تسمح هذه المقاربة التي تقع بين السياسات الانعزالية والتدخل المباشر، للولايات المتحدة بتخصيص المزيد من الأموال على القضايا الداخلية والتركيز على الأولويات العاجلة للسياسة الخارجية، إلى جانب تقليل التكاليف المخصصة للقضايا الدفاعية ومكافحة الإرهاب والوجود العسكري خارجيا مثل الحرب في أفغانستان. تسعى الولايات المتحدة والى جانب استخدام هذه المقاربة، إلى منع ظهور القوى الإقليمية، لكنها تعترف بدوافع وقدرات الجهات الفاعلة الإقليمية والحلفاء لتحقيق التوازن.
ان الولايات المتحدة كانت دائما توفر امن الدول العربية في الخليج، إذ قامت هذه الدول بشراء أمنها بعد تأسيسها من خارج المنطقة وخاصة من أمريكا، إذ يتواجد اليوم ما يقارب 38 ألف جندي أمريكي في قواعد عسكرية في السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين. كما كانت السعودية أكبر المستوردين للأسلحة الأمريكية طيلة السنوات الأخيرة، وكذلك الدول الخليجية الأخرى التي قامت بشراء أسلحة بأرقام هائلة.
على هذا فان تبعية دول الخليج الأمنية للولايات المتحدة ليست بخفية عن أحد، لهذا فان أي سلوك معارض أو مختلف تبديه أمريكا، تجعل الدول العربية تشعر بالقلق، وان هذا السلوك يعود أحيانا إلى السياسات الغامضة الأمريكية وأحيانا يضرب بجذوره في التصورات الشاملة للدول العربية، ذلك ان اللاعبين الإقليميين ينظرون إلى السياسات الأمريكية كونها قوة عظمى واهم قوة عالمية.
على الرغم من أن تصورات دول الخليج للسياسة الإقليمية للولايات المتحدة تمر بمرحلة التكوين، إلا أن هناك مؤشرات على وجود حالة من عدم اليقين بشأن الالتزامات الأمنية للولايات المتحدة تجاه حلفائها العرب. بعبارة أخرى، فبعد إحجام الولايات المتحدة عن الدخول في الحرب اليمنية، وكذلك بعد بعض التحولات في نشر القوات والمعدات الأمريكية في الخليج والعراق والأردن وسوريا، ترى دول مجلس التعاون بان زيادة تركيز سياسة أمريكا الخارجية على منطقة إندو -باسيفيك وعدم رغبتها في التدخل في قضايا غرب آسيا يترك وراءه فراغا في المنطقة، قد ينتهي إلى عدم ضمان أمريكا توفير امن الدول العربية في الخليج.
في مثل هذه الحالة، ترى الحكومات العربية بان إقامة أو تعزيز العلاقات مع الجهات الفاعلة العالمية يمثل وسيلة لاستبدال ضغط تقليص الالتزامات الأمنية الأمريكية. لهذا السبب، فإن أعضاء مجلس التعاون لديهم رؤية أكثر إستراتيجية للعلاقات مع الصين وروسيا وإسرائيل وحتى تركيا، وهو اتجاه يمكن رؤيته في السنوات الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أن تحول النظام العالمي يسير في اتجاه مفاده ان العديد من دول ومناطق العالم تتبنى اتجاهات مختلفة تجاه الولايات المتحدة عما كانت عليه في الماضي، وهذا يرجع إلى حد كبير إلى نهوض الصين وأنشطة أمريكا، وان غرب آسيا ليست استثناء، وربما بسبب موقف أمريكا الفريد من نوعه تعاني من غموض استراتيجي تجاه مستقبل الدور الأمريكي في المنطقة.
غني عن القول بأنه لا تبدو بعض التحليلات التي ترى ان سياسة الولايات المتحدة تسير على خطى الخروج من منطقة غرب آسيا ثم الخليج دقيقة للغاية. في بعض البلدان، مثل العراق، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة تحديد مهامها. وفي الجزء الجنوبي من الخليج، يبدو أنه على المدى المتوسط، لن تكن هناك قطيعة جذرية في وجود واشنطن ونفوذها. ومع ذلك، فأن تبني اتجاه التعاون مع دول مثل الصين والهند وروسيا سوف يتزايد. وهكذا، تظل الولايات المتحدة لاعبا رئيسيا في النظام المستقبلي للخليج، لكن سنشهد زيادة مكانة القوى الأسيوية الناشئة ودورها في المنطقة.
موقع تبيين
النهاية