شفقنا-بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واجهت الولايات المتحدة، التي كانت تعد نفسها أقوى دولة في العالم، موجة نهوض القوى العالمية الصاعدة. إذ شكّل صعود قوة ناشئة مثل الصين لغزا كبيرا لواشنطن. وباستخدام تكتيكات مختلفة، حاول قادة أمريكا هضم الصين في نظام المؤسسات الدولية وتوفير مسار للسيطرة المؤسسية على هذا التنين الهائج.
هذا وان الصين وبالإضافة إلى الاستفادة من مزايا التواجد في المؤسسات الدولية، استغلت هذه المؤسسات استغلالا. يعد حضور الصين في منظمة التجارة العالمية من أهم المجالات التي استطاعت الصين أن تصبح عضوا فيها بضوء أخضر من الولايات المتحدة، ولكنه يتعارض ومبادئ وهيكل منظمة التجارة العالمية التي تقوم على أساس مبدأ الاقتصاد غير الريعي والحر، لكن تقدم الصين إعانات خفية لشركاتها للتنافس مع المنافسين الدوليين، مما جعل السلع والخدمات الصينية تحظى باهتمام أكبر بسبب جودتها العالية وتكلفتها المنخفضة مقارنة بمثيلاتها الغربية.
وفي آخر الآليات التي تستخدمها ضد هذه القوى الناشئة، يبدو أن أمريكا تحاول خلق حالة من انعدام الأمن والقلق الجيوسياسي في العمق الاستراتيجي للقوى الناشئة، لتوفير وسيلة للسيطرة والحد من تآزر القوى الناشئة في أنشطتها المناهضة للهيمنة ضد أمريكا.
تسببت هذه القضية في تحذير الولايات المتحدة من استغلال الصين لتلك المؤسسات مرات عديدة، لكن اختراق الصين التكنولوجي للاقتصاد الدولي لم يمنح أمريكا القدرة على القضاء على هذا البلد وتقييده. منذ بداية القرن الحادي والعشرين، حاولت الصين تحدي النظام أحادي القطب الذي تقوده الولايات المتحدة من خلال مهاجمة أدوات الهيمنة للولايات المتحدة في العالم، أي الدولار والمؤسسات الدولية، وأن تصبح المنافس المهيمن لأمريكا في الفترة الانتقالية للنظام الدولي.
ومن خلال إنشاء مؤسسات إقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون، بالإضافة إلى وضع التبادلات التجارية في هذه المؤسسات الإقليمية على أساس العملات الوطنية بدلا من الدولار، وضعت الصين أساس منافسة شرسة مع الولايات المتحدة. ومن خلال استيعاب هذه المقاربة الصينية، جربت أمريكا طرقا مختلفة للتعامل مع بكين. كانت المشاركة في المؤسسات الدولية لإدخال قيم الديمقراطية الليبرالية في الصين تشكل الأسلوب الأول للسيطرة على الصين، لكن هذه القضية لم تمنحها السيطرة على بكين. حتى مسار حرب التعريفات التجارية في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع الصين لم يستطع إحداث اضطراب في مسار نمو الصين وتطورها.
لكن في الأشهر الماضية وبعد الحرب في أوكرانيا، أصبحت النظرة الأمريكية تجاه الصين وقضية تايوان أكثر جدية، لدرجة أن أحد كبار المسئولين في الصين صرح بوضوح أن بكين تعلم أنه بعد روسيا، يحين دور الصين. إذ بدأت أمريكا تتطرق بشكل أو بآخر إلى قضية الصين وتايوان، لكنها حاولت جاهدة عدم الكشف عن هذه القضية في المواقف الرسمية؛ إذ صرح المتحدث باسم البيت الأبيض بان أمريكا تدعم “الصين الواحدة”.
فضلا عن هذا فان التحركات الاستفزازية لواشنطن تركزت على إعطاء الأولوية للصين، إذ توجه وفد من الكونغرس في الأشهر الماضية لتايوان واتخذ مواقف تجاه استقلال تايوان ودعم أمريكا لهذه القضية بحيث واجه ردة فعل الصين السلبية.
ضجة بلوسي غيت
ان زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي، قد توصل التوترات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة إلى ذروتها. وبالطبع ازدادت حساسية الصين لتسريع إجراءاتها لضم تايوان إلى الجغرافيا الرئيسية. ففي الأيام الماضية، حاولت الصين منع هذه الزيارة من خلال إجراء تدريبات عسكرية غير مسبوقة مع تحركات عسكرية كثيفة في مقاطعة فوجيان (أقرب مقاطعة صينية لتايوان) إضافة إلى تهديد بيلوسي بشكل مباشر حتى باستهداف طائرتها.
وفي أعقاب هذه التحذيرات والمواقف، حددت بيلوسي أسباب زيارتها إلى آسيا في رسالة على تويتر ولم تذكر تايوان كوجهة للزيارة، حتى أن العديد من الأوساط الإعلامية قد أطلقت على هذا الأمر التراجع الواضح للديمقراطيين تجاه الصين؛ ما تعتبره العديد من الدوائر السياسية في العالم كونه تمهيد أرضية هزيمة الديمقراطيين في انتخابات الكونجرس وانتخابات 2024 الرئاسية.
الواضح هو أن رد فعل الصين الحاسم على خطة بيلوسي لزيارة تايوان قد أربك حسابات الولايات المتحدة، ومن المحتمل أن تكون للمواقف المتضاربة بين مجلس النواب والحكومة الديمقراطية الأمريكية تداعيات وخيمة على إدارة بايدن والأغلبية الهشة في الانتخابات الرئاسية للكونجرس الأمريكي في الأشهر القليلة المقبلة، وربما مثلما أدت فضيحة “ووترغيت” إلى نهاية مبكرة لولاية نيكسون في البيت الأبيض، فإن رحلة بيلوسي ستصبح “بيلوسي غيت” للديمقراطيين وبايدن.
المصدر: راهبرد معاصر
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية