شفقنا -تظاهرات الخضراء حوّلت أسوار المنطقة المحصنة في اليومين السابقين إلى مسرح لتظاهرة مضادة، دعا إليها الإطار التنسيقي تحت عنوان “تظاهرة حماية الشرعية”، ردًا على اقتحام أنصار الصدر لمبنى لبرلمان لمرتين خلال 4 أيام، ومن ثم الاعتصام فيه، ورفع مطالب تستهدف تغيير النظام السياسي الحالي.
شهدت العاصمة بغداد في الأيام القليلة الماضية حركة مارثونية لجماهير التيار الصدري ومن ثم الإطار التنسيقي عبر تظاهرات الخضراء في المنطقة الخضراء ومحيطها، في مشهد بدا لكثيرين كاستعراض قوة من طرفين رئيسين أدت خلافاتهما على مدى التسعة شهور سابقة إلى ما بات يعرف بـ”الانسداد السياسي”.
وعلى وقع بيانات التهدئة من فرقاء العملية السياسية والفاعلين السياسيين والاجتماعيين، والمبادرات المطروحة للحوار وخفض مستوى التوتر بين جناحي القوى الشيعية المتنافرين، دعا زعيم التيار الصدري أنصاره لإخلاء البرلمان ونقل الاعتصام إلى خارج المبنى ومقترباته، الأمر الذي فسّره مراقبون كمؤشر على استعداد الصدر للجلوس حول طاولة مفاوضات مع غريمه السياسي، الإطار التنسيقي.
على أسوار الخضراء.. ماذا يريد الإطار؟
في ظل التصعيد المتبادل الذي شهدته الأيام الماضية، وعدم وضوح المسارات التي ينوي سلوكها الطرفان، التيار والإطار، تبدو الأزمة السياسية الحالية مفتوحة النهايات وقابلة لسيناريوهات عديدة، بحسب مراقبين.
“الرسالة الإطارية التي تم تمريرها يوم الإثنين 1 آب/أغسطس 2022، والتي قُرأت جيدًا من قبل التيار الصدري، كانت توازنا شعبيا إطاريا قبالة التيار الصدري المتظاهر”.
يقول المحلل السياسي قاسم العبودي، مفسرًا فحوى الرسالة: “بمعنى كما لديكم جمهور، فأننا أيضًا لدينا جمهور وربما يكون الجمهور الإطاري أكثر من الجمهور الصدري بحسب لغة الأرقام، فإذا كنتم مدفوعين من الخارج، فنحن لن نكون لقمة سائغة للأجندة الخارجية”.
أما عن كون خطوة تظاهرات الخضراء على أسوار الخضراء وعلى مقربة من موقع اعتصام أنصار الصدر ومقر رئيس الحكومة، وما إذا كانت خطوة أولى نحو تصعيد أكبر لمجابهة التيار الصدري في الشارع، يقول العبودي، إن “قادة الإطار ليس في نيتهم الذهاب إلى التصعيد، بل على العكس، فجميع قادة الإطار مع الحوار الهادئ البنّاء الذي من شأنه عبور هذه الأزمة التي عصفت بالبلاد”.
لكنه يستدرك بالقول، إن “هذا لا يعني بأن الإطار لهذه النقطة وتوقف، بل سيكون مصداق مجابه لسلوك التيار في قادم الأيام”.
وكان متظاهرو الإطار التنسيقي انسحبوا من موقع تظاهرات الخضراء بعد احتكاكات مع قوات مكافحة الشغب التي شكلت حواجز بشرية لمنع اختراق المنطقة المحصنة القريبة من مكتب الكاظمي، عقب كلمة لقيس الخزعلي، أمين عام عصائب أهل الحق، أشاد فيها بموقف المتظاهرين المدافع عن “مؤسسات الدولة والعملية الديمقراطية”، وقال إن “رسالتكم وصلت” ودعاهم إلى الانسحاب.
وفضّلت بعض قوى الإطار التنسيقي على ما يبدو، عدم المشاركة بتظاهرة “حماية الشرعية” بعد “فوضى” بيانات زعاماته إزاء التصعيد الصدري، الأمر الذي فسره مراقبون مؤشرًا على تصدع قوى الإطار التنسيقي.
عن ذلك، يقول المحلل السياسي قاسم العبودي لـ”ألترا عراق” إن “قوى الإطار التنسيقي لا زالت متماسكة، والدليل على ذلك هو وحدة الرؤى والأهداف برغم عدم مشاركة بعض جمهور الإطار، وذلك يعبر عنه تحليلًا على أنه تكتيك مرحلي، وسيعقبه مشاركة كبيرة في حال استجدت أمور أخرى تصعيدية”.
لا ضمانات.. لا حوارات جادة
على الرغم من أن المسارات الحقيقية لكلا الطرفين غير واضحة المعالم، إلا أن النزول إلى الشارع تم تفسيره وفقًا لمراقبين بإعادة تموضع استعدادًا لطاولة تفاوضية قد تتمخض عن حل للأزمة الراهنة.
في هذه الأثناء، تداولت أوساط سياسية رواية عن مفاوضات تجري بين التيار الصدري والإطار التنسيقي برعاية إيرانية في العاصمة طهران.
يعلق المحلل السياسي مناف الموسوي على موضوعة الرعاية الإيرانية للمفاوضات، بأن “هذا الخبر لا صحة له. ربما هناك لقاءات لقيادات من الخط الثاني أو الثالث وتجري خلالها بعض الأحاديث ولكن لا يمكن تسمية هذه اللقاءات بالمفاوضات”.
وعن دعوات الحوار التي أطلقها عدد من زعامات الإطار التنسيقي، يقول مناف الموسوي في مقابلة تلفزيونية تابعها، إن “الحوار الحقيقي يحتاج مقدمات وضمانات، وأعتقد أن دعوات الحوار ليست جادة وهي عبارة عن عملية شراء للوقت”.
ويضيف: “لا وجود حقيقي لإرادة التغيير. نفس أصحاب دعوات الحوار اليوم لم يدعوا إلى حوار مع التيار بعد قرار انسحابه من العملية السياسية رغم كونه الفائز الأول في الانتخابات وصاحب استحقاق تشكيل الحكومة”.
ويستدرك المحلل الموسوي: “لو كانت هناك مقدمات حقيقية وجادة من قبل قادة الإطار التنسيقي، كسحب ترشيح السوداني مثلًا لاختلف الوضع كثيرًا ولما توسعت دائرة التصعيد الصدري”.
ويؤكد أن “استراتيجية التظاهرات الحالية ستعتمد على طبيعة الرسائل التي يرسلها الإطار، فإذا كانت الرسائل سلبية ستتوسع التظاهرات، والعكس صحيح”.
وكانت الخارجية الإيرانية قد أعلنت على لسان المتحدث الرسمي باسمها عدم تدخلها في الأزمة السياسية الحالية، معتبرة أن الأزمة الحالية هي “شأن داخلي عراقي”.
السوداني على هامش ماراثون الإطار والتيار
في خضم احتدام المواقف التصعيدية بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، غاب الحديث عن تسمية الإطار شياع السوداني مرشحًا لرئاسة الوزراء، الأمر الذي أثار تساؤلات عدّة حول مصير حكومة السوداني المفترضة، وما إذا كانت حظوظها قد انتهت تمامًا.
يقول المحلل السياسي قاسم العبودي إن “محمد شياع السوداني لازال مرشح الإطار الشيعي، وهناك إصرار من قبل قادة الإطار عليه”.
مضيفًا أن “خلاف السيد مقتدى الصدر ليس على شخص السوداني، بل لأنه مرشح نوري المالكي”.
ويعتقد قاسم العبودي أن الإطار قد يتجه إلى تسوية مع التيار الصدري حول إمكانية تمرير السوداني ومن ثم المضي نحو إجراء انتخابات مبكرة.
ويضيف: “في حال تم تمرير مرشح الإطار، نعتقد بأن الاتفاق على انتخابات مبكرة لا ضير فيه من وجهة نظر الإطار، عندما يغير قانون الانتخابات النيابية عن شكله الحالي مع إعطاء فرصة سنة كاملة لمرشح الإطار بإزالة مخلفات رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي”.
تفكيك الإطار والمحكمة الاتحادية
“الصدريون هم الناجحون إلى الآن، احتجاجهم هذه الأيام يوضح أنهم المنتصرون، وأن هيمنة الإطار على موضوع تشكيل الحكومة قد انتهى”.
يقول الباحث السياسي عقيل عباس، ويرجح حصول سيناريوهين: “أعتقد أن الذي سيحدث أما تمديد حكومة الكاظمي أو شيء آخر من خارج الإطار تكون للصدر بصمة واضحة وكبيرة فيه، لكن أنا اعتقد حظوظ حكومة الكاظمي ازدادت كثيرًا خلال هذه المدّة”.
ويتحدث الباحث السياسي عن السيناريو الأقرب لما سيؤول إليه التصعيد المتبادل بين التيار والإطار، ويقول إن “الصدر لن يستطيع تغيير النظام بشكل جذري، فبعض المطالب التي رفعها تحتاج إلى حكومة مقبلة وبرلمان مقبل لتنفيذها، لكنها مفيدة للتحشيد الشعبي، وإعطاء دفعة أخلاقية للذي يقوم به”.
ويعتقد عقيل عباس أن حراك الصدر الأخير المتمثل بتظاهرات الخضراء، يستهدف بشكل أساس مطلبين جوهريين، فـ”الذي يريد أن يحققه الصدر مسألتين هو تفكيك الإطار، وباعتقادي سوف يفككه إذا بقي على هذا السبيل، و الثاني هو إعادة تشكيل المحكمة الاتحادية، بمعنى أنه يريد تفكيك المنظومة التي سرقت منه النصر، كما يفهمها هو”.
وبحسب عباس فأن موضوعة الانتخابات المبكرة قد حسمت.
أما عن العائق أمام وصول الإطار والتيار إلى اتفاق لتجاوز الأزمة، فيقول إن “الخلاف الأكبر هو قانون الانتخابات والمفوضية والسلاح المليشياوي في أثناء إجراء الانتخابات، وأعتقد أن حظوظ الإطار ضعيفة”.
ويرجح محللون سياسيون أن الإطار التنسيقي يواجه تحديًا وجوديًا في هذه الأزمة، خصوصًا مع سيناريو خسارة معركة تشكيل الحكومة و إعادة هيكلة جهاز القضاء.
ويتفق عقيل عباس مع هذه الترجيحات بالقول: “لا أعتقد أن الإطار التنسيقي سيستمر بالوجود إذا فشل في الإثنين وجدد لحكومة الكاظمي ومن ثم الذهاب نحو انتخابات مبكرة، فهذا يعني رجوع الإطار إلى قواه الأصلية”.
المصدر: الترا عراق
النهايى