شفقنا-ان التجارب التاريخية في مجال العلاقات الدولية، والتي ظهرت في المواجهة بين أثينا وإسبرطة، وفقا لنتائجها، إضافة إلى الفرضيات النظرية التي أضفت طابع الهوية على المدارس الفكرية الرئيسية الثلاثة للعلاقات الدولية في يومنا هذا؛ تلفت الانتباه إلى قضية مهمة مفادها ان التطورات والتغييرات في كيفية توزيع الإمكانيات من جهة وكيفية توزيع الأفكار من جهة أخرى تؤدي بالضرورة ومن دون استثناء إلى توتر على أدنى مستوى أو أزمة على أعلى مستوى في النظام الدولي. يجب اعتبار هذا المبدأ على أنه المصير المحتوم في علاقة كبار الفاعلين على مستوى النظام العالمي وجعله أساسا لتحليل الظروف السائدة ورسم إطار للتنبؤ بطبيعة التفاعلات بين الجهات الفاعلة في المستقبل.
في العقدين الماضيين أي منذ بداية القرن الجديد، ما يمكن رؤيته بوضوح ويدركه كبار الفاعلين على المسرح الدولي تماما، هو وجوب رسم ملامح تغيير طبيعة التفاعلات بين الصين والولايات المتحدة مقارنة بالعقود الأخيرة من القرن الماضي، والتي كتبت بدايتها منذ عام 1979. فخلال ما يقرب من نصف قرن، تحولت الصين من واحدة من أفقر البلدان في العالم الثالث إلى ثاني قوة اقتصادية في العالم. خلال هذه العقود، اتبع قادة الصين بذكاء شديد المسار الذي حدده دنغ شياو بينغ وساروا على درب الأساليب التي تم وضعها بعقلانية.
فمن ناحية، يعتمد هذا المسار على الوعي بالنموذج الذي وضعته أمريكا في القرن التاسع عشر فيما يتعلق بكيفية لعب دور في المسرح العالمي من خلال تكبد البلاد أقل التكاليف. لأن الهدف كان جعل أمريكا في موقع الفاعل الاقتصادي البارز على غرار ألمانيا وبريطانيا، وفي القرن التاسع عشر، أولى صناع القرار في واشنطن اهتماما بالغا بسياسة خارجية منخفضة التوتر بوحي من النظام البريطاني خارج حدود القارة. لقد كان نموذجا حمّل الولايات المتحدة اقل التكاليف المادية وسمح بإتباع التنمية الاقتصادية المحلية دون القلق بشأن النفقات العسكرية خارج حدود البلاد. ومن ناحية أخرى، كان النموذج الذي اتبعته الصين فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية هو الاهتمام الذكي بطبيعة لعب اليابان دورها بعد الحرب العالمية الثانية فيما يتعلق بقضية النمو.
اعتمد النموذج الاقتصادي الياباني لتحقيق مكانة اقتصادية عالية في المجال الدولي على الإنتاج للتصدير. أدى هذا النموذج إلى أن دولة دمرت في الحرب العالمية الثانية أصبحت لاعبا بارزا في الساحة الاقتصادية. أصبح تراكم الثروة في اليابان بسبب بيع البضائع المنتجة في الخارج، أساس النمو، وظهر عملاق اقتصادي في آسيا والعالم. في إطار الوعي والفهم لهذين النموذجين الناجحين في السياسة الخارجية والسياسة الاقتصادية، والتي اتبعتها الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، والتي أضفت اليابان في منتصف القرن العشرين طابع الهوية عليها، حققت الصين النجاح وأصبحت لاعبا مؤثرا للغاية في مجال السياسة الخارجية وكذلك لاعبا مؤثرا للغاية في مجال الاقتصاد العالمي.
لضرورة امتلاك القدرة الاقتصادية التي حولت هذا البلد عمليا إلى مصنع عالمي والقدرة العسكرية التي وضعت الصين بين القوى العسكرية الأربع الأولى في العالم وفقا لحجم الميزانية، من ناحية، ومن ناحية أخرى من حيث التمتع بالمكانة العالمية التي خلقتها مكانتها على الساحة الداخلية والخارجية، يجب على الصين ان تضع نفسها في مستوى المواجهة التي لا مفر منها مع الولايات المتحدة الأمريكية. بالنظر إلى هذه الحقائق، على أمريكا أن تقرر ما إذا كانت ستتخذ الدور الفاعل لمواجهة التحدي الذي جاءت به الإمبراطورية الوسطى إلى المسرح العالمي أو قبولها كمصير لا مفر منه في سياق عملية انفعالية.
المصدر: مرکز پژوهش های علمی و مطالعاتی استراتژیک خاورمیانه
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية