شفقنا – على قدم وساق تعمل طواقم فلسطينية على ترميم مسجد “النصر” في البلدة القديمة وسط مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، بعد أن أضرم الجيش الإسرائيلي فيه النار.
وتعمل طواقم هندسية وعمال ومتطوعون مدنيون وأفراد من الأمن الوطني الفلسطيني على ترميم المسجد التاريخي.
المسجد يقع في منطقة “باب الساحة”، ويجاوره مبنى برج الساحة الذي شُيد في زمن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وأعيد ترميمه في 2012 بتمويل من الوكالة التركية للتعاون والتنسيق “تيكا”.
واقتحم الجيش الإسرائيلي، فجر الجمعة الماضي، عددا من مساجد نابلس وأضرم النار في “مسجد النصر”، وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” آنذاك بأن قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي داهمت المساجد وعبثت فيها.
وأضافت أن هذه القوات أضرمت النار في “مسجد النصر”، ومنعت فرق الإطفاء من إخماد الحريق، ما أدى إلى امتداد ألسنة اللهب لأجزاء واسعة.
وأظهرت مقاطع فيديو تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عملية اقتحام الجيش الإسرائيلي للمسجد بعدد كبير من الجنود.
وقالت وحدة الإعلام بالجيش الإسرائيلي: “قواتنا كانت تعمل على ملاحقة إرهابيين في نابلس، ولا علاقة لنا بحرق مسجد النصر”، وفق زعمها.
يأتي ذلك بينما يواصل الجيش الإسرائيلي عدوانه الدموي المدمر على مخيمات شمال الضفة الغربية منذ 21 يناير/ كانون الثاني 2025، مخلفا قتلى وجرحى ودمار في المنازل والبنية التحتية.
** أضرار كبيرة
بينما يتابع أعمال الترميم قال إمام “مسجد النصر” أحمد زنادة إن النيران أتت على غرفة الإمام، وأسفر الحريق عن تضرر المسجد بالكامل من واجهات وقباب وسجاد، إضافة إلى حرق عدد كبير من المصاحف.
وتوقع أن تستمر أعمال الترميم لنحو شهر، وأوضح أنها “لا تقتصر على صبغ الواجهات، هناك نقوش تاريخية تحتاج إلى ترميم”.
وأكد أن الجيش الإسرائيلي تعمد حرق المسجد في أول جمعة من شهر رمضان المبارك، لما للمسجد من رمزية دينية واجتماعية لأهالي نابلس.
وأضاف أن “الجيش الإسرائيلي أحرق المسجد ومنع طواقم الدفاع المدني الفلسطيني من الوصول للموقع وإطفاء الحريق بشكل مباشر”.
وتابع: “هذه بيوت عبادة محمية بموجب القانون الدولي، لكن الاحتلال الذي أحرق ودمر مساجد قطاع غزة وجنين وطولكرم لا يحتاج لذريعة لحرق مسجد النصر في نابلس”.
ومنذ بدئه حرب الإبادة على غزة، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى لمقتل أكثر من 934 فلسطينيا، وإصابة قرابة 7 آلاف شخص، واعتقال 15 ألفا و640، وفق معطيات فلسطينية رسمية.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود، وسط دمار هائل طال المنازل والبنى التحتية ودور العبادة.
زنادة يسرد تاريخ المسجد، مبينا أنه شيد في زمن الصحابي عمرو بن العاص في سنة 15 من الهجرة النبوية، لكنه دُمر في الزلزال الذي ضرب مدينة نابلس عام 1927، وأعيد بناؤه في العام 1935 من قبل المجلس الإسلامي الأعلى.
وترتفع قبة المسجد نحو 27 مترا، وبيّن زنادة أنه “شُيد على الطريقة العثمانية من حيث القباب والزخارف”.
ويُعتقد أن أصل المسجد كنيس روماني تم تحويله، مع التغييرات التي طرأت على المنطقة والحضارات المتعاقبة، إلى مسجد عام 1187 بعد الانتصار على الصليبيين.
** مكانة خاصة
وفور تلقي أهالي نابلس نبأ حرق الجيش الإسرائيلي المسجد هبوا إليه، حيث تم إخماد الحريق، و تداعوا للبدء بعملية إعادة تأهيله.
وقال الناشط حسن قمحية إن “مسجد النصر له مكانة خاصة في قلوب كل أهالي نابلس”.
وتابع: “هو لقاء ديني وروحاني، وحتى اجتماعي، إذا ما أراد شخص أن يلتقي بصديق يقول له نلتقي في النصر”.
وأردف: “لذلك فورا دعونا الناس لأن يأتوا لتنظيف المسجد لأداء صلاة التراويح فيه، وفعلا في ذات اليوم صلينا التراويح”.
لكن المسجد اليوم مغلق جراء أعمال الترميم، التي تبرع بها رجال أعمال في نابلس، وتُقدر التكلفة بنحو 100 ألف دولار.
وقال قمحية: “صلينا التراويح في رسالة للاحتلال أن هذه المساجد دور عبادة لا يجب المساس بها”.
ممسكا ببقايا من صفحات من القرآن الكريم محترقة، قال قمحية: “ستبقى هذه المصاحف شاهدا على جريمة الاحتلال، نحو 500 مصحف أُحرقت تم دفنها في مقبرة، أبقيت على بضع الصفحات لتبقى في ذاكرة أهالي نابلس”.
وعن سبب حرق المسجد، أجاب: “لا نعلم، ولكن مسجد النصر انطلقت منه أول صلاة فجر عظيم في العام 2020.. آلاف المصلين كانوا يأتون للمسجد فجرا للصلاة”.
وكانت صلاة الفجر العظيم فرصة فلسطينية للاحتجاج على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وخطته المعروفة إعلاميا بـ”صفقة القرن”.
وانطلقت فعالية “الفجر العظيم” من المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، ثم انتقلت للمسجد الأقصى بالقدس، وسرعان ما انتشرت في أغلب مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، لرفض اعتداءات الاحتلال و”صفقة القرن”.
و”صفقة القرن” هي خطة لتسوية سياسية مجحفة بحق الشعب الفلسطيني ومنحازة لإسرائيل، أعلنتها إدارة ترامب في يناير/ كانون الثاني 2020، ورفضها الفلسطينيون.
وتحتل إسرائيل منذ عقود أراض في فلسطين وسوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.
انتهی.