شفقنا- تطرق آية الله محمد سروش محلاتي في سلسلة مقالاته التي حملت عنوان “تأملات في دعاء السحر إلى الكمال في الأسماء والصفات؛ إليكم نص المقال:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أن قسم من دعاء السحر الشريف هو: “اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كَمَالِكَ بِأَكْمَلِهِ وَكُلُّ كَمَالِكَ كَامِلٌ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِكَمَالِكَ كُلِّهِ”، هذا القسم يدور حول محور الكمال الإلهي. أولاً، ما معنى الكمال؟ وثانياً، كيف يُطلق الكمال على حق تعالى؟ ثم كيف يُفهم أكمل من الكمال؟
الكمال وكمال حق تعالى
الكمال له معنى واضح لدينا؛ الكمال ضد النقص، والموجود الكامل هو الموجود الذي لا يوجد فيه نقص. ولكن هل يمكننا أن نصف حق تعالى بالكمال؟ هل هذا التعبير يُستخدم صفة أو اسما بالنسبة للحق تعالى؟ في بعض المصادر والأدعية، نرى هذا الإطلاق بالنسبة للحق تعالى، مثلاً في دعاء الجوشن الكبير الشريف الذي يختص بأسمائه الإلهية، في عدة فقرات يتم طرح مسألة كمال الله تعالى؛ أحدها في الفصل الثامن من الدعاء؛ “اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ … يَا كَامِلُ” حيث يتم سؤال وطلب الله تعالى باسم “الكامل”، وأيضاً في الفقرة الرابعة من دعاء الجوشن الكبير وردت هذه الكلمات: “يَا مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ وَ الْكَمَالُ”. إذن كلا التعبيرين موجودان في دعواتنا؛ سواء تم الإشارة إلى الله كـ “الذي له الكمال”، أو تم الإشارة إليه كـ “الكامل”.
مكانة الكمال في صفات الله
النقطة الثانية هي أين يقع “الكامل” أو “من له الكمال” في تقسيم أسماء الله؟ نقسم أسماء الله إلى قسمين؛ الصفات الثبوتية والصفات السلبية. العلم، والقدرة، والحياة، والإرادة… هي صفات ثبوتية تُثبت لله تعالى، وهناك صفات أخرى يُنزه الله عنها، وتسمى الصفات السلبية، مثل أن الله لا ينام، وليس له حدود، وليس له جسم… في هذا التصنيف الشامل، أين توضع صفات الكمال؟ هناك رأيان في هذا الموضوع:
الرأي الأول هو رأي من يقول: “الكمال” هو صفة لله تعالى تجمع بين الصفات الثبوتية والصفات السلبية، ويتم تسمية هذا الجمع بالصفات الكمالية، وهذه الصفات الكمالية تنقسم إلى نوعين: ثبوتية وسلبية. هذا تفسير قدمه حاج ملا هادي السبزواري (رحمه الله) بمناسبة هذا القسم من دعاء السحر الشريف، حيث إن الصفات الكمالية تشمل الصفات الثبوتية والصفات السلبية.
لكن الرأي الثاني هو أن تعبير الصفات الكمالية لا يُستخدم بالنسبة للصفات السلبية، وأن الصفات الكمالية هي تعبير آخر عن نفس الصفات الثبوتية لحق تعالى. لذا يجب القول إن صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين؛ الأول هو الصفات الثبوتية التي تُسمى أيضاً بالأسماء الجمالية وأيضاً بالصفات الكمالية، وهذه الثلاثة متساوية في معناها. وفي المقابل، هناك القسم الثاني الذي يشمل الصفات السلبية التي أحياناً يُطلق عليها الأسماء الجلالية.
علامة طباطبائي (ره) في مباحثه و في موارد متعددة من تفسيره الشريف “المیزان” اتبع هذا الرأي و طرحه. كذلك، الإمام الخميني في شرحه لدعاء السحر فسر الصفات الكمالية بأنها نفس أوصاف جمال الله تعالى.
الكمال في الأسماء والكمال في مظاهر الأسماء
النقطة الثالثة في هذا البحث هي أن الكمال ضد النقص، والموجود الكامل يعني الموجود الذي لا يوجد فيه نقص. ويمكن نفي النقص في صفات الله الإلهية وكذلك يمكن طرحه في مظاهر أسمائه الإلهية. في المرحلة الأولى نقول إن أسماء وصفات الله الإلهية كاملة، أي أنه لا يوجد فيها نقص أو قلة أو ضعف؛ العلم في حق تعالى كامل، دون أن يكون هناك ذرة من الجهل أو المحدودية فيه، والقدرة في حق تعالى كاملة، دون أن يكون هناك ذرة من العجز، وهكذا… وكل الصفات والأسماء الإلهية تتمتع بكمالها.
ولكن في المرحلة الثانية؛ فإن أسماء الله الإلهية لها مظاهر في نظام الوجود وتجليات في نظام الخلق، وتظهر وتتبين في الموجودات والمخلوقات، وكل هذه التجليات والظهورات أيضاً تتمتع بكمالها. لذا، إذا أردنا أن نتحدث عن المرحلة الأولى – وهي أن أسماء وصفات الله الإلهية في حالة كمال – فإن الاسم الذي يدل على كمال جميع أسماء الله الإلهية ويشمل جميع الأسماء الإلهية هو الاسم الجامع “الله” الذي يحتوي على جميع الكمالات ويمثل كل الكمالات، وليس كمالاً خاصاً فقط.
وإذا نظرنا إلى المرحلة الثانية – الكمال في الموجودات والمخلوقات ومظاهر الحق – فإنه أيضاً لدينا اسم جامع يشمل جميع هذه الكمالات ويمثلها، وهو الإنسان الذي هو مظهر الاسم الجامع لحق تعالى، وبالتالي (علَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا) يتعلق بالإنسان؛ مع التأكيد على “كل” التي تعني أن الله علم جميع أسماءه الإلهية لآدم.
بالطبع، هناك نقاش في كتب التفسير حول ما إذا كان المقصود من آدم في هذه الآية هو شخص واحد فقط، أم أن المقصود هو نوع الإنسان، حيث تتحدث الآية الشريفة عن أن الإنسان كنوع، أي جميع البشر، لديهم القدرة على استقبال الأسماء الإلهية، بينما لا يرتقي أي مخلوق آخر حتى الملائكة إلى هذا المستوى الذي يمكنهم فيه أن يكونوا مظاهر لجميع الأسماء والصفات الإلهية.
أشير مجددًا إلى أنه في الفلسفة، والعرفان، والتفسير، وحتى في الكلام، يُطرح سؤال حول ما إذا كان الإنسان يتمتع بمقام أعلى أم أن الملائكة أفضل من الإنسان؟ وهذه الآية الشريفة، بما أنها تطرح تعليم جميع الأسماء للإنسان، تظهر أن مقام الإنسان هو أعلى المقامات. وإذا أضفنا مسألة سجود الملائكة أمام الإنسان، حيث إن جميع الملائكة – حسب تعبير القرآن الكريم – أمروا بالسجود لآدم أبو البشر، فإن القضية تصبح أوضح وأكثر وضوحًا.
الكمال في الشريعة الإلهية
إذن، الكمال في المرحلة الأولى في مرحلة الأسماء والصفات، وفي المرحلة الثانية في مظاهر الأسماء والصفات، أما في المرحلة الثالثة، فالكمال في الشريعة الإلهية. فكما أن لله تعالى قلم التكوين ويخلق الكائنات، له قلم التشريع ويبين الواجبات والحدود والقوانين والأحكام للبشر؛ “له الحكم والأمر”، فكلا من الحكم والأمر يعودان لله. هذا الكمال الذي يوجد في نظام التكوين، يوجد أيضًا في نظام التشريع.
لكن ما هو الكمال في نظام التشريع؟ وكيف يمكن القول إن شريعة الإسلام هي شريعة كاملة؟ في الآية الشريفة في القرآن عن كمال الدين وكمال الشريعة في سورة المائدة، يقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي). الآية تشير بوضوح إلى يوم وحادثة حيث أكمل الله الدين. هنا، لا يمكننا الخوض في النقاش التفسيري والكلامي حول ما هو كمال الدين، ولكننا نستخدم بعض المسائل العلمية كمقدمات استنادًا إلى المبادئ الأساسية. بحسب اعتقادنا، هذه الآية تتعلق بمقام ولاية أمير المؤمنين علي (ع)، وقد تم إثبات هذا في مكانه بناءً على الأدلة والبراهين المتقنة. لذا، الكمال في الدين وكمال الشريعة هو في الولاية.
دور الولاية في كمال الدين
حتى الآن، لا يوجد خلاف بين العلماء وعظمائنا، لكن هناك نقطة مهمة يجب أن نتأمل فيها، وهي: كيف يجعل الولي الدين كاملاً؟ في المرحلتين السابقتين لم نكن نواجه هذا السؤال، وعندما كنا نقول إن أسماء الله وصفاته كاملة، فإن هذا يعني أن كل صفة خالية من المحدودية والنقص، كما أن مظاهر تلك الأسماء والصفات كانت أيضًا كاملة، أي أن مظهر العلم الإلهي، القدرة الإلهية، والحياة الإلهية… وإذا كان أحد أسماء الله الشريفة “المحي” و”المميت”، فإن إنسانًا مثل عيسى بن مريم (ع) الذي يحصل على نصيب من تلك الأسماء، يصبح مظهرًا لهذا الاسم، وعندما يصبح مظهرًا لهذا الاسم، فإنه يمكنه بفضل الله أن يكون محييًا ومميتًا. وهذا واضح، ولكن في المرحلة الثالثة، كيف يتم تقديم الولاية باعتبارها الكمال للدين كما في قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)؟ نظرًا لهذه المساحة المحدودة، لا يمكننا توضيح هذه المسائل هنا، ولكننا نكتفي بأدنى حد من الشرح الذي يساعد في فهم هذا المقطع من دعاء السحر الشريف. هناك تفسيران حول هذه الآية الشريفة – التي تقدم دور الولاية في كمال الدين – بين علمائنا.
التفسير الأول
وفقًا للتفسير الأول، يُفهم الدين على أنه يتكون من عناصر متعددة، وهو مجموعة من العقائد، والأخلاق، والأحكام. كل جزء من هذه الأجزاء له أثر مستقل، ولكن عندما تكون هذه الأجزاء متكاملة، دون نقص، وتكتمل، فإنها تصل إلى الكمال. ويُوضح العلامة الطباطبائي (ره) معنى الكمال على هذا النحو: الكمال هو عندما يكون هناك كائن يحتوي على أجزاء، وكل جزء له تأثير مستقل، وعندما تكون هذه الأجزاء متكاملة دون نقص، فإن الكمال يتحقق.
وبناءً على هذا الفهم، يُؤكد العلامة الطباطبائي (ره) أن الدين يتضمن مجموعة من الأحكام مثل الصلاة، التي تُعد جزءًا له تأثيرات خاصة به، وكذلك الصوم والحج والزكاة… وكل جزء من هذه الأجزاء له أثره الخاص، وعندما تُجمع هذه الأجزاء معًا وتكتمل، يتحقق الكمال. وبالتالي، عندما يصل الدين إلى آخر جزء من أجزائه، فإن ذلك يعد كمال الدين. ثم يضيف العلامة الطباطبائي (ره) مثالًا من القرآن الكريم لتوضيح الفرق بين “التكامل” و”الكمال”: في قوله تعالى: (فَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)، حيث يُستخدم التعبير “تمام” للإشارة إلى إتمام الصيام حتى الليل. هذا يعني أن الصيام لا يكتمل إلا إذا انتهى في الوقت المحدد، أي عندما يمتد من الفجر حتى المساء. ولا يمكن اعتبار الصيام كاملاً إذا تم فقط لساعات قليلة. أما في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)، فيُفهم من ذلك أن الدين يتكون من أجزاء وشروط، وكل جزء منها له قيمة وأثر مستقل في مكانه. لكن الجزء الأخير الذي يكمل الدين ويُتمه هو “الولاية”.
كما أشار العلامة الطباطبائي (ره) إلى هذا في تفسيره لآيتي: (فَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) و (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) حيث قال:
“الفرق بين التمام والكمال هو أن الأول هو انتهاء وجود شيء لا يتألف من أجزاء ذوات آثار، و الثاني هو انتهاء وجود ما لكل جزء من أجزائه أثر مستقل وحده.”
يعني أن التمام يتعلق بمجموعٍ تكون أجزاؤه غير مؤثرة (لا بمعنى أنّه ليس له أجزاء أصلًا)، في حين أن الكمال يتعلق بمجموعٍ تكون كل واحدة من أجزائه ذات هوية خاصة ولها أثر مترتب عليها. ثم يقول:
قال تعالى: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي»، فإن الدين هو مجموع الصلاة، والصوم، والحج، وغيرها، حيث إن لكل واحدٍ منها أثرًا مستقلًّا به.
فهذه تشكل مجموعة، وكلٌّ منها له أثره في موضعه، غير أن خاتمة هذا المجموع وآخر أجزائه هي الولاية. وبناءً على هذا التصوّر، لا يُنظر إلى وجود علاقة ترابطية بين الجزء الأخير وبقية الأجزاء، بل يمكن لكل واحد من هذه الأجزاء الأخرى أن يكون مؤثّرًا، حتى لو كان جزءٌ آخر ناقصًا أو غير مكتمل.
أما في التفسير الثاني، فيُفهم أن نفس المعنى الذي يرتبط بـ “التكامل” ينطبق أيضًا على “الكمال”. وفقًا لهذا الفهم، يرى العلامة الطباطبائي (ره) أنه في حالة التكامل لا يوجد أية أجزاء مستقلة لها تأثير خاص، بينما في حالة الكمال، كل جزء من أجزاء الدين له تأثير مستقل ويترتب عليه أثر معين. ولكن في الدين، حتى عندما تكون هذه الأجزاء موجودة، لا يمكن أن يتحقق الكمال إلا عندما يُثبت الجزء الأخير، وهو “الولاية”.
بناءً على هذا الرأي، لا يمكن لأية جزء من أجزاء الدين، مثل الصلاة، والزكاة، والصوم، أن يكون له تأثير حقيقي أو كمال إلا عندما يكون مرتبطًا بالولاية. فالولاية هي الجزء الذي يكمل الدين، ودونها، فإن هذه الأجزاء تعتبر “صفرية” في تأثيرها على الكمال الإنساني. على سبيل المثال، الصلاة بدون الولاية تعتبر لا فائدة لها، وكذلك الزكاة والصوم، حيث يتطلب الأمر قبول الولاية لتكتمل تأثيرات هذه الأجزاء.
هذا التفسير الثاني هو الذي ذكره الإمام الخميني (ره) في شرح دعاء سحره. وسوف نتناول هذا التفسير بمزيد من التفصيل في الجزء القادم، خاصة في كتاب “شرح دعاء سحر” للإمام، حيث يقدم هذا الرأي بشكل موسع.