شفقنا – كثيرون من الطبقة العليا من فقهاء الحوزات العلمية، لا من معممي الاحزاب السياسية، يرون مقاماً علمياً لفقاهة السيد الخوئي لم يحظَ به فقيه آخر، وشهدوا له بالاعلمية على معاصريه، وعلى الفقهاء الاحياء من بعده ,ومن هذه الفتاوى والشهادات:
1- ما ذكره سماحة اية الله السيد محمد سعيد الحكيم حول جواز البقاء على تقليد السيد الخوئي؛ كما ذكر بانه يجب على من سبق منه تقليده على طبق الموازين الشرعية البقاء على تقليده حتى يتضح من هو اعلم منه مهما طالت المدة، وفي قوله مهما طالت المدة اشعار بانه سيحلق في سماء الاعلمية طويلا.
2- ثم اردت ان اعزز هذا الدليل باخر فرجعت الى كتاب (التقليد والعقائد الف فتوى وسؤال)، لسماحة اية الله السيد محمد صادق الروحاني، (اود ان اسالكم حول اعلمية السيد الخوئي عن المراجع الموجودين حاليا اطال الله اعمارهم المقدسة,هل يوجد احد منهم – دام ظلهم- من هو اعلم من المقدس السيد الخوئي؟)
الجواب: (باعتقادي ان السيد الخوئي رحمه الله تعالى اعلم علماء الاسلام من اول زمان الغيبة الى يومنا هذا…..الخ).
ولست اريد ان احيل على كتاب دوحة الغري للسيد ضياء الخباز الذي نقل شهادة اية الله الشيخ محمد الحسين ال كاشف الغطاء قبل نحو خمسين سنة بان السيد الخوئي ثاني اثنين في عالم الاعلمية مع اية الله السيد اغا حسين البروجردي زعيم حوزة قم المقدسة والمرجع الاعلى للشيعة في وقته، مع ان السيد الخوئي كان من طبقة تلامذته، اذ ان السيد البروجردي استاذ السيد الخميني.
ولا اريد لك ان تطالعَ كتاب اساطين المرجعية العليا للشيخ محمد حسين الصغير وكيف نقل هناك قول اية الله العظمى السيد اسماعيل الصدر بان الشيخ الطوسي اذا بعث الان حيا وأراد ان يفتي فعليه ان يحضر البحث الخارج للسيد الخوئي!
ولا اريد ان انقل لك ما اشتهر عن السيد الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه بان مقام السيد الخوئي الثبوتي اعلى من مقامه الاثباتي اي ان مقامه الواقعي اعلى من مقامه الذي نفترضه نحن له!
كما لااريد ان انقل لك ماقاله السيد البهشتي في كتابه (مسائل وردود).
ولكن أريد أن أُحيلك إلى كتب القوم من فقهاء الملة -من الطبقة الاولى- وترى كثرة نقاشهم في بحوثهم العلمية لآرائه أكثر من نقاش آراء أساتذتهم الذين تربوا على أيديهم، ويأتيك بعد ذلك (زعطوط) في عمره العلمي ليقول لك ما مضمونه: ان السيد الخوئي سوّد صفحة تاريخه بجلوسه مع صدام حسين!
علماً أن هذا (الزعطوط) كان هارباً من صدام في الخارج، وترك السيد الخوئي والصفوة من تلامذته الانجاب كأيآت الله مهدي الخلخالي وآية الله عز الدين بحر العلوم وغيرهما في حومة الدفاع عنه، حتى استشهدا مع غيرهما من أعلام حوزة النجف الاشرف المظلومة في سجون الطاغية سنة 1991، وفي عين الله ما لقي السيد الخوئي وغيره من تلامذته من معممي الاحزاب الشيعية، بالانتقاص من مقامه العلمي مرة وبسرد الوقائع الكاذبة عليه أخرى.
تمر علينا ذكرى وفاة مرجع الطائفة الامام الراحل المحقق السيد ابو القاسم الخوئي، المرجع الذي عد من اساطين العلماء في القرن العشرين.
نال المرجع الديني اية الله السيد الخوئي درجة الاجتهاد في فترة مبكرة من عمره الشريف، حيث تتلمذ على يد علماء عصره مثل آية الله الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة وآية الله الشيخ مهدي المازندراني وآية الله الشيخ ضياء الدين العراقي وغيرهم.
وبعده نيل سماحته درجة الاجتهاد اعتلى منبر التدريس لفترة تمتد إلى أكثر من سبعين عاماً حيث امتاز بحثه بالمنهج العلمي المتميز وأسلوبه الخاص في البحث والتدريس.
واختير السيد الخوئي مرجعا اعلى للطائفة الشيعة بعد وفاة المرجع الاعلى الامام السيد محسن الحكيم عام 1970.
كان مرجعنا السيد الخوئي يطرح في أبحاثه الفقهية والأصولية العليا موضوعاً، ويجمع كل ما قيل من الأدلة حوله، ثم يناقشها دليلاً دليلاً، وما أن يوشك الطالب على الوصول الى قناعة خاصة، حتى يعود الامام فيقيم الأدلة القطعية المتقنة على قوة بعض من تلك الأدلة وقدرتها على الاستنباط، فيخرج بالنتيجة التي يرتضيها، وقد سلك معه الطالب مسالك بعيدة الغور في الاستدلال والبحث، كما هو شأنه في تأليفاته القيمة، بما يجد المطالع فيها من تسلسل للأفكار وبيان جميل مع الدقة في التحقيق والبحث.
لقد تتلمذ بين يدي سماحته عدد كبير من أفاضل العلماء المنتشرين في المراكز والحوزات العلمية الدينية الشيعية في أنحاء العالم، والذين يعدون من أبرز المجتهدين من بعده حتى لقب بـ “أستاذ العلماء والمجتهدين”.
لقد استطاع الامام الخوئي من المحافظة على وجود واستمرار استقلالية الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ومواجهة جميع الضغوط الشديدة التي تعرضت لهامن قبل الانظمة الحاكمة وخصوصا النظام البعثي المقبور.
وقد تمكن السيد الخوئي من تاسيس الكثير من المؤسسات الخيرية في الكثير من دول العالم، التي أخذت على عاتقها نشر الثقافة الإسلامية، والاهتمام بتوفير الأجواء الإسلامية للمسلمين في تلك البلاد.
كما شارك الامام الخوئي في دعم الانتفاضة الشعبانية التي حدثت في العراق سنة 1411هـ، واعتقلته السلطات البعثية بعد إخماد الانتفاضة واطلق سراحه بعد ذلك وبقي تحت الاقامة الجبرية حتى توفي عصر يوم السبت 8 صفر 1413هـ الموافق 8 آب 1992، ومنعت السلطات الحاكمة أن يُقام له تشييع عام، وأجبرت أهله على دفنه ليلاً، فدفن في مقبرته الخاصة في جامع الخضراء في النجف الأشرف.
وقد ابّنه المرجع الاعلى السيد السيستاني بقوله: “كان أعلى اللّه مقامه، نموذج السلف الصالح، بعبقريته الفذّة، ومواهبه الكثيرة، وملكاته الشريفة، التي أهلته لأن يعدّ في الطليعة من علماء الإمامية، الذين كرسوا حياتهم لنصرة الدين والمذهب”.
رحم الله استاذنا ومرجعنا واعلى الله مقامه في عليين وحشره مع اجداده الطاهرين
بقلم: السيد محمد الطالقاني
النهاية
المصدر: شفقنا العراق